*******
في النطاق المظلم من الطبقة العليا اجتمع أفراد الفريق السداسيّ في مجلس واسع به مقاعد مصفوفة على محيطه، حيث تم إبلاغُهم بعقد اجتماع أخير لهم كسداسيّ بناءً على طلب كبير الآكوما نفسه بمجرد أن يفرغ من اجتماعات الأسياد، فوقف خمسة منهم في المكان بينما تخلّف واحد فقط عنه، وقد علّق أوريون على ذلك قائلاً: لِمَ لا أرى رايمون هنا هذه المرة أيضًا ؟ هل أُقصيَ من الاجتماع لكونه ليس من ضمن المشاركين في الحرب؟
أجاب نيجيما: ربما، لكن تاكيرو لن يشارك في الحرب ومع ذلك فإنه موجود بيننا كما ترى.
نظرا ناحيته، كان يستمع لهما بملل ثم أشاح بعيدًا مُظهرًا لا مبالاته بما يتحدثان عنه، فعبس الاثنان وتمتم أوريون: هذا المتكبّر...
أضاف توما مقاطعًا: قد يكونُ متأخرًا فقط، راي ذاكَ لا يلتزم بالوقت حين لا يهمه الأمر.
عاد نيجيما ليتحدث: يدهشني كيف أنه لا يخشى من كسر الأوامر كل مرة، أعتقد أحيانًا أنه لا يخشى العواقب لمجرد أنه ابنُ مساعد كوروسيفر السابق...
تدخّل نوبورو في الحوار قائلاً: السيد رايجين كان أحد أذرع كوروسيفر ساما المقرّبين ورايمون لا يشبهه في شيء، هذا معيب حقًا.
ظهر أودين ونينا في المكان فالتفت أفراد السداسي إليهما، كان الاثنان يسيران قاصدَين اتخاذ مقاعد بعيدة عن مركز القاعة من بين تلك المقاعد الموزّعة في المكان، وقد سمع أودين جزءًا مما دار بينهم، وتحدّث معلّقًا على حوارهم دون أن يتوقف عن سيره: أبلغنا السيد هوشيكاغي بهذا الاجتماع، لكنه ليس ملزمًا بالحضور إليه فكوروسيفر ساما يودّ التركيز على من سينضم إلى جيش الآكوما.
لفت ذلك الأمر انتباه تاكيرو فحرّك عينيه لينظر ناحية أودين الذي جلس في مقعده وجاورته نينا التي لم تتدخل في الحوار. جعله ذلك الكلام يتساءل عن سبب استدعائه رغم عدم أهمية وجوده ما دام لن يشارك في الحرب أيضًا.
وقبل أن يضيف أيّ منهم شيئًا آخر ظهرت يوري، وتلا حضورها مستشار والدها غورين، انحنى أفراد السداسي إليها كنوع من الإجلال لمقام وريث اسم السيفر، لم تهتم لذلك بقدر ما أثار تعجّبها أن تاكيرو كان من ضمن من انحنوا لها وبملء إرادته.
ومع ذلك لم تعطِ الأمر اهتمامًا كبيرًا على الرغم من أنه أرضى شيئا في نفسها، واكتفت بالسير ناحية منصّة توسّطها عرشُ السيفر، حيث موقعها كوريثة للسيفر كان على الجانب الأيمن من المقعد المخصص لكاين، وتبعها غورين بالتوجّه ليسار العرش.
ظهر والدها بعد ذلك مباشرة، وقد كان يقف أمام مقعده تمامًا، واستقام جميع من في القاعة لينحنوا له عدا يوروسيفر التي تعتبر ذلك مجرد شكليات لا معنى لها، لكن ذلك لم يشكل فرقًا بالنسبة له.
قعد في مكانه وهو يحدّثهم: إنني أجد معظمكم هنا وهذا جيّد، هل لنا أن نبدأ؟
انحنى أفراد الأسياد الثلاثة هذه المرة بشكل خفيف إشارة إلى إنصاتهم واستعدادهم، فواصل قائلاً: حسنًا، بما أنكم تعلمون أن الفريق السداسي قد حُلّ فإني أجتمع بكم اليوم لمرة أخيرة قبل الحلّ الرسمي لإبلاغكم بالمتوقّع منكم من بعد هذه النقطة.
بدا على وجوههم الاهتمام ونوع من التوتّر عن ماهيّة توقّعات سيّدهم منهم، إلا أنّ أحد السداسيّ تحدّث فجأة: كوروسيفر سينسي! اعذرني على مقاطعتك، لكني أودّ إبداء رأيي حول أمرٍ ما، إنني أعترض على حلّ السداسيّ بهذه الطريقة فقد تمّ النزال الذي يحسم النتيجة حين كنّا أنا ونوبورو مشغولَين بما أسديَ إلينا بخصوص تجهيز المستوى الأدنى، وأظن أن هذا ليس عادلاً!
عقدت يوري حاجبيها، وراقب أفراد منظومة الأسياد الأمر باهتمام، بينما التفت الفريق السداسي إلى زميلهم الذي ثبّت بصره على كاين، وهمسَ له نوبورو بانزعاج: هيي لا تقحمني في شأنك، إنني راضٍ بالنتيجة ولا أريد خوض أيّ نزال جديد!
أدار عينيه إلى يوري وتابع بتوتّر وصوت خفيض: لا أريد مواجهة يوري ساما فقد سمعتُ أنها كادت تسحقهم جميعا...
ظهرت ابتسامة ما على وجه كاين الذي أسند خدّه إلى قبضته، وهو يراقب ردود أفعال السداسيّ أمامه، حيث ردّ أوريون قائلاً بعصبية: كسولٌ مثلك لن يمنعني من المطالبة بحقّي!!
وتحدّث نيجيما: في الحقيقة أجدني أوافق أوريون، كنتُ أتطلع لوجوده هو ونوبورو، بالأخص هذا الأخير فلو ألغينا وجود وشم تاكيرو الذي كسبه بالحظّ لبات نوبورو أقوانا بلا منازع...
التفت تاكيرو إليه وردّ باستنكار: ما الذي تقصده بكلامك هذا ؟؟
ثم عاد ينظر ناحية يوري قائلاً وهو يُظهِر ابتسامة ذات مغزى: ستسرّني إعادة النزال رغم ذلك.
تحرّك غورين خطوة للأمام وضرب بصولجانٍ يحمله الأرض فتسبب باهتزازها وإسكاتهم، ارتفع صوتُه موبّخًا: هذه الجلبة غيرُ مقبولة في حضرة السيفر!!
كان كبير الآكوما يسند ظهره إلى مقعده ثم تحرك معتدلاً في جلسته وصدرت منه ضحكة مكتومة، شدّ بها انتباههم إليه: لا بأس غورين فاعتراض أوريون منطقيّ تمامًا.
عاد تابعُه أدراجه بعد أن أومأ بالفهم، أثناء ذلك كانت يوري تعقد ذراعيها وقامت برفع ساق على الأخرى أثناء جلوسها، كانت تنظر إلى هؤلاء الخمسة أمامها وقد مرّ الكثير ببالها، فهؤلاء ما كانوا ليقفوا هنا اليوم لولا قرار كاين قبل عقود بإيجاد بُدلاء لها، أثار ذلك الغضب العميق الذي يسكن بداخلها منذ صغرها، حتى كاد يُرى لمَن حولها.
ولكن ذلك انطفأ وتبدّل إلى التفاجؤ حين سمعت والدها يقول لهم: إنني لا أمانع طلبك شخصيًا أوريون، لكن عليك أن تطلبه من السيفر المعنيّ بالأمر الآن، هي من يملك خيارَ أن تسمح لك بمنازلتها أم لا.
ظلّت ترمق والدها بنظرات متسائلة وغير مصدّقة لما تسمعه، وجدته يلتفت إليها وقد تبدّلت ابتسامته إلى أخرى مسترخية وعاد يسند وجهه إلى راحة يده، قائلاً لها: على ذكر هذا، القوانين القديمة لا تزال سارية أيضًا، أقصد مسألة المنافسة على منصب السيفر حتى وإن كان يعني القتال حتى الموت.
نهضت من مكانها وقد استفزها كلامه: أتعبث معي أم ماذا ؟! ما الفائدة من تثبيت اسم السيفر عبر ذلك النزال هكذا إذن؟!!
عاد ينظر إلى الأمام ثم أغلق عينيه وردّ بنبرته الواثقة: أأنتِ خائفة من هذا ؟ ما أقوله هو أن تدعيهم يحاولوا، أما تمكُّنهم منكِ فأمرٌ عائد لكِ، لا تنسَي أن السيفر، سواء أكان الوريث أم السيّد الحالي للآكوما، مستهدف على الدوام ممّن يرى نفسه أهلاً للمنصب.
زمجرت بغيظ ورصّت على أسنانها ثم عادت تعقد ذراعيها وترتمي ثانية على مقعدها، أبعدت عينيها ثم أجابت بعصبية واضحة: سيسرّني أن أهزم أطفالك الستة واحدًا تلو الآخر إن تجرّأ أحدُهم علَيّ.
فتح عينيه وقد بدت ابتسامته هذه المرة راضية، وتحدّث موجّها كلامه إلى أفراد السداسيّ: أظن قد وصلكَ الجوابُ الآن أوريون، لكن كلامي لم يكن يعني استهداف يوروسيفر، في الحقيقة يجب أن تكون آخر أهدافكم لأنه يُمنَع مسّ أفراد الأسياد بسوء وفق القوانين العامّة كما تعلمون، لكن النزالات فيما بينكم مسموح بها في أيّ وقت، والفوز فيها قد يؤهلكم لموقع شبيه بموقع يوروسيفر في منظومة الأسياد.
بانت الحيرة على وجوههم جميعًا بالأخصّ يوري التي عبّرت عن ذلك بتذمّر: أأنت معي أم ضدّي؟ لم أعد أفهم!
تحدّثت نينا الجالسة بعيدًا بقهقهة خافتة إلى أودين الذي جاورها في المقعد: كاين-تشي عاد ليعبث معهم، مشاهدة هذا ممتع.
علّق أودين: أجده قد أخذ بكلامي بخصوص يوروسيفر، ما يزال غير مقتنع بأدائها، لكنه على الأقل صار يأخذ موقعها كوريث للسيفر وفرد من الأسياد على محمل الجد.
من جانب آخر كان تاكيرو يمعن التركيز في الحوار القائم بين كاين ويوري، وقد أخذه تفكيره إلى ما يشبه ما تحدّث أودين عنه دون أن يدرك ذلك باختلاف المنظور: "يبدو لي أن كوروسيفر قد غيّر دفّة الأمور فعلاً وهو جادّ بشأن يوري، لكنني لا أفهم... لا شكّ أن قوّتها ازدادت بشكل ملحوظ في السنوات الأخيرة وطوّرت كثيرًا من نقاط ضعفها واكتسبت مهارات جيدة، لكنها لا تزال تفتقر إلى عدد من الأساسات التي تؤهلها لتصبح كيانَ سيفر مثاليًا، ما الذي رآه ليغيّر رأيه فيها ويقبل بانتصارها الفضفاض ذاك؟ أعجز دائمًا عن معرفة ما يدور في باله أو كيف يفكّر مهما حاولت..."
تحرّكت عيناه إلى يوري التي عادت لصمتها وتقطيبتها وأطال النظر إليها: "هل فاتني شيء ما بخصوصها ؟"
وجدها تلتفت ناحيته وتنتبه إليه، احتدّت نظراتها وبدا له أن تلك العينين الناقمتَين تهدّدانه وتتطلعان إلى تمزيقه حتى أنه تحاشى النظر إليها لوهلة.
تحدّث كاين مخاطبًا الجميع مجددًا مما لفت انتباههم إليه ثانية: وكملاحظة أخيرة قبل أن أعود إلى موضوعي الأساسي، فإنّي أرجو أن تجروا نزالاتكم الصاخبة بعيدًا عني ولا تزعجوني حينها فقط.
انحنى أفراد السداسي قائلين بصوت واحد وقد ظهر الارتباك في وجوههم: هاي، كاين سينسي.
تابع بعدها: بما أن أربعةً منكم سينتسبون بشكل رسمي إلى جيش الآكوما، فابتداءً من اليوم ستكونون تحت مسؤولية زينون، ضعوا في حسبانكم أنّ مخالفة أوامره توازي مخالفة كوروسيفر ولذلك أتوقّع منكم الطاعة التامّة له وإحسان التدريبات معه.
صمت لثوانٍ، ثم تابع مجددًا: سيُطلعكم زينون على كامل خطتنا الحربية الموضوعة حتى الآن، وسيكون عليكم الاطلاع على بيانات الحروب السابقة، والخضوع لتدريبات معيّنة لتعطيكم تصورًا جيدًا لكيفية خوض حرب الآكوما ضد التينشي.
نهض من مكانه وبلمح البصر وجدوه يسير بينهم بخطاه الثابتة البطيئة وهو يعقد يديه خلف ظهره، كان يحرّك بصره فيما بينهم، ويواصل كلامه: خضعتُم لتدريبات تشبه تلك التي يخضع لها السيفر، وعُيِّنتُم في مناصب رفيعة ضمن الجيش، أيّ أداء دون المستوى سيكون مرفوضًا، كما أن التقاعس أو التذمّر ليس مقبولاً...
توقّفت خطواته بجانب واحد من السداسيّ، دون أن يلتفت فعلاً إليه، إلا أنه رفع بصره للأفق وبدا بريق في عينيه وهو يبتسم منهيًا كلامه: أتفهم ذلك، نوبورو؟
من بين أفراد السداسيّ كان نوبورو الوحيد الذي يميّزه شعره الطويل الذي يصل إلى أسفل ظهره، كما كان يحمل سيفًا، وله عينان ناعستان، حرّكهما ناظرًا إلى كاين من طرف عينيه وقد بدا التوتّر على وجهه، وأجاب: هـ.. هاي، كاين سينسي.
رفع كاين يده إلى كتفِ ذلك الآكوما مما جعله يرتبك، وأدار رأسه ناظرًا إليه أخيراً وحدّثه ثانية: سأعتمد عليكَ خلال الحرب بما أن منافسك تاكيرو لن يكون من ضمن الجيش، أيّها الجينرال الجديد.
استدار تاكيرو ناحيتهما وهو عاقد ذراعيه وقال بشيء من الاستنكار: هه! ما زلتُ متاحًا للمشاركة في صفوف الجيش لكنكَ تحبّ تعقيد الأمور على نفسك كاين سينسي...
لم يرهق كاين نفسه بالاستدارة نحوه بل اكتفى بإدارة رأسه قليلا بما يكفي لينظر إليه، ثم أجابه: أتوقّع منك أن تنضبط أنت أيضًا في المطلوب منك تاكيرو، خصوصًا بعد أن مُنِحت موقعًا رفيعًا كعضو فرعي للأسياد.
صمت المعنيّ وهو يتذمّر في داخله: "عظيم! صارت يوري مدللته الآن وسأنالُ أنا كل المعاملة الجافة على ما يبدو."
فكّ كاين انعقاد يديه خلف ظهره وأسدلهما إلى جانبيه، وتحدّث: يمكنكم البدء مباشرة مع زينون فور انصرافكم الآن.
التفت الأربعة المعنيّون من السداسي إلى الجهة التي جلس بها أودين ونينا، حيث وجدوا فردًا ثالثًا يرتدي نظارة وهو ينحني ناحية كاين قائلاً: رهن إشارتك كوروسيفر ساما.
لم يشعر أحد به حين ظهر في المكان، حدّثته نينا مظهرة ابتسامة مسترخية وهي تسند خدها إلى راحة يدها: كان عليكَ أن تلقي التحية حين جئت، أين أخلاقك أيها المارشال؟
اعتدل في وقفته متجاهلاً كلام نينا، وعدّل نظارته وقد قبض بيده اليسرى خلف ظهره، ثم تحدّث: نوبورو، أوريون، توما، ونيجيما، اتبعوني أيّها السادة.
ردّ الأربعة تِباعًا بـ: عُلِم.
واختفى خمستُهم من المكان، استدار كاين أخيرًا لناحية المنصّة، حيث كان تاكيرو يقف في مدّ بصره أسفلها ومن ثم يوري التي ما تزال في مقعدها وهي تنتظر ما قد يُمليه عليها كبير الآكوما، فقد بدا أن هذا الاجتماع يحمل عددًا من التوجيهات وليس مقتصرًا على أفراد السداسي الذين تقررت مشاركتهم في الحرب مسبقًا.
انفرجت شفتاه قائلاً لهما: يتبّقى أمامي أنتما، تاكيرو...
كان يوجّه عينيه ناحية المعني ثمّ حركّهما إلى تلك الآكوما الجالسة مكانها: ويوري.
احتدّت عيناها، وهي لا تزال تتطلع إلى ما سيقوله، وتابع من فوره: إنكما تعتبران فردَين جديدَين في منظومة الأسياد كما أسلفنا، ستواصلان تدريباتكما كما كانت حتى تحافظا على لياقتكما لكن مهمّاتكما ستختلف.
صمتَ للحظة، ثم عاد صوته بنبرة أعلى: تاكيرو...
غيّر المعني وقفته إلى أخرى بدا فيها الخضوع وهو يجيبه: هاي!
أكمل كبير الآكوما كلامه: دورُكَ ضمن الأسيادِ كعضو فرعيّ في الوقت الراهن سيكونُ مرتبطًا بالطبقة الوسطى، أي أنك ستعود لذات المهمة التي كنت مكلّفًا بها أثناء خضوعك لتدريباتي المباشرة فيما مضى، سأرسلكَ بين الحين والآخر إلى عالم الأشباح حتى تجمع لي المعلومات.
ابتسم المعنيّ بلا مبالاة قائلاً: أوه، مضت مدة منذ أرسَلتني إلى عالم الأشباح لشيء كهذا، أهي مهمّةُ تجسُّس هذه المرة إذن؟ بسيط...
قاطعه كاين وقد علَت نبرَته: أريدُك أن تعي أن موقعك هذه المرة يختلف عما كان عليه فيما مضى، إذ سيكون في عرين الأسد، فهناك حاكم الأشباح الذي يكون قائد التينشي في الوقت ذاته، وثلاثيّ النخبة الذين يحيطون به ليدعموه طوال الوقت، لو كان هناك ما هو أبلغ من الاحتراز والتُّؤَدة لنصحتُك به إن كنتَ تريد العيش.
ردّ تاكيرو دون أن تتغير نبرته اللا مبالية: لن أقترب من قائد التينشي ذاك بلا شكّ، أما بالنسبة للنخبة فقد قابلتُ اثنين منهم قبل مدة قصيرة بشكل سريع كما تعلم وأعتقد أنّ مستواي يمكن أن يكافئهما...
التفت ناحية يوري مظهرًا ابتسامة استفزّتها وجعلتها تقبض على ذراعَي مقعدها بقوة حدّ أن ظهرت فيه التشققات، رصّت على أسنانها لكنها اختارت أن تستمرّ بتجاهله في النهاية.
وعلى الرغم من ذلك وجد تاكيرو مُحدِّثَه ينظر إليه بعينين بدتا له غاضبتين، حين قال له: أنسيت قاعدة تدريبك الأولى أيها الفتى؟ إرخاء دفاعاتك يعني وضعك لنهايتك بيديك، التينشي ملتزمون جدًا بقوانين الطبقة العليا ولا يُظهِرون قواهم الكاملة خارج فترة الحرب، فلا تستهن بهم.
توقف لوهلة ليعم الصمت وقد بات تاكيرو يفكّر مليًّا بما أسديَ إليه، فتابع كاين وقد حملت نبرته شيئًا من الترهيب: أفهمت، تاكيرو؟
لم يجِب المعنيّ بشيء، عوضًا عن ذلك أخفض رأسه الذي ازدحم بالأفكار ودفع من شفتيه ردًا مقتضبًا: هاي.
ثم أضاف كاين ملاحظة أخيرة: ستعاوِن غورين كذلك فيما يخصّ حرب المستوى الأدنى القادمة بما أن نوبورو وأوريون سينشغلان بتدريبات الحرب، وبما أنك قد تعاملت سابقًا مع زعيم الآكوما الحاليّ.
نظر تاكيرو ناحية غورين الذي انحنى بطاعة تامّة، ثم أجاب: فهمت.
ثم تحدّث غورين الذي ظل صامتًا طول هذه المدّة أخيرًا: سأستأذنكم الآن للقيام ببعض التجهيزات وسأستدعيك حين أحتاجك، سيّد هيروما.
أغمض كاين عينيه دون أن يرد بشيء وقد كانت تلك إشارة بالموافقة على كلام غورين، الذي اختفى بعدها.
ثم فتح عينيه ثانية ونظر إلى يوري حين فرغ من تاكيرو، وحدّثها: أما بالنسبة إلى يوروسيفر، فهناك جدول تدريب جديد لتتبعه مع نينا، وسيكون مختلفًا قليلًا عن المعتاد.
ظهر الإحباط والملل على وجه يوري: أوه نعم، كان عليّ أن أخمّن أنه من سيحظى بالقسم الممتع ليبقى لي القسم البائس بالبقاء حبيسة لهذا المكان... مُنحاز كعادتك كوروسيفر.
رفعت إحدى ذراعيها وانكشف جزء منها من تحت كمّها، واصلت كلامها وهي تنظر إلى أثرٍ ما عليها: حتّى أنك تقيّدني بختمك البغيض هذا، لولا أنه صُنِع بطاقة إيون لكنتُ حطّمتُه منذ زمن.
ارتخت ملامح كاين وأخذ يسير بخطى بطيئة في المكان وقد عقد يديه ثانية خلف ظهره: منحاز وسيئ وعُنصريّ، صِفيني بما يحلو لكِ، يوروسيفر. دعيني أذكّركِ فقط أني قد أكون والدًا بهذا السوء إلا أنني لستُ صاحب قانون منع الوريث من النزول لعالم الأشباح ومواجهة التينشي قبل تنصيبه الرسمي في موقع السيفر، وبما أنكِ تصرّين على المخالفة الصريحة لهذه الأوامر فتحمّلي عواقب أفعالك دون تذمّر.
أبعدت عينيها عنه وردّت: هه! ذكّرني أن أغيّر هذا القانون حين أصبح السيفر إلى جانب قوانين أخرى فارغة، لأنه ليس من المنطقي أن أكتسب خبرة الحروب ضد التينشي دون أن أشارك بأيّ منها... أو ربما أجعل بلاك يفعل لأنك لن تكون هنا حينها.
تبدّلت ملامحه إلى التبسُّم ثم أجاب: همم، قد يكونُ كلامكِ صحيحًا، لكنكِ ستكسبين هذه الخبرة حين تنازلين الأسياد، جدول تدريبكِ الجديد صارم فلا تقلقي من هذه الناحية.
بان تفاجؤ خفيف على وجهها، والتفتت ناحية نينا وأودين لتجد الأولى تبتسم وتلوّح لها باسترخاء بينما كانت نظرات الآخر، وكالعادة، تبدو صارمة وجامدة، ومهدِّدة.
حدّثت نفسها: "لِمَ يبدو لي أنه يعني أنه سيجعلني أواجه جميع الأسياد دفعة واحدة...؟ هه..! سيكون هذا أمرًا مثيرًا على الأقل".
ثم ختم كوروسيفر كلامه قائلاً: وكما تعلمان فإن الأسياد يمكن تقسيمهم إلى مجموعات مؤلّفة من ثنائيات، وإنكما محسوبان الآن كثنائيّ واحد، ولذلك لن أقبل إلا بعمل متناغم فيما بينكما.
أرادت يوري التعبير عن اعتراضها على جملته الأخيرة إلا أن تاكيرو سبقها وتحدّث أولاً: كاين سينسي...
نظر الآخر ناحيته، وحافظ على صمته ففهم تاكيرو أنه يتيح له المجال ليكمل كلامه: لطالما أردتُ أن أسألك فأخبرني بالحقيقة، ما الذي جعلك تقرر وضعي من البداية في موقع كهذا بدلا من الاكتفاء بضمي للجيش كبقية السداسي على الرغم من أنك تعلم أننا لا نتوافق؟ كيف لنا أن نصبح الآن ضمن ثنائيّ واحد؟!
عقدت يوري حاجبيها وذراعيها ثانية مستندة إلى ظهر كرسيّها وتحدّثت مغمضة عينيها: إن كان هناك ما نتّفق عليه فهو ما قاله هذا المتعجرف الآن.
أغمض كاين عينيه بدوره وأخذ نفسًا عميقًا وهو يرد مبتسمًا: كنت سأوضّح كلامي لكنك مستعجل تاكيرو، بالنسبة لسؤالك، فلِمَ سأمتنع عن تعيين شخصٍ تؤهله مهاراتُه لهذا الموقع؟ كما إني أتطلع أن أراكما تتعلمان كيفية دعم بعضكما بعضًا في مهماتكما هذه في فترات فراغكما من الأمور المسداة إليكما.
نهضت يوري من مكانها وتحدّثت بنفاد صبر: كيف يدعمني في موقعي كـ سيفر؟ لِمَ لا تقولها صراحة وتخلّصني؟! أتحاول دفعَه ليكون شريكي منذ البداية؟؟؟
أطلق كاين ضحكة عالية، كان تاكيرو مصدومًا من سماعه لعبارة يوري تلك، بينما بدا أودين مهتمًّا بردود الأفعال هذه، وابتسمت نينا بعبث وتحدّثت بصوت خفيض وهي تخفي فمها خلف يدها: أوبْس، لقد كُشِفت الخطّة!
اختفت يوري لتظهر مباشرة في وجه كاين وقد رسمت ابتسامة مستفزّة على وجهها: كان بوسعي أن أحتمل كل هذه السنين إنكارك المستمرّ لي ولما يمكنني أن أفعله، وعدم اقتناعك باستحقاقي لمكاني، أو لأني وريثة أنثى ولستُ كـ الستة الذين حصرتَهم وجعلتهم جميعًا من الرجال، لكن أن تقرر بنفسك من أرتبط به فـ...
خطا تاكيرو خطوة للأمام محاولاً ردعها: يوروسيفر توقفي...
لم تأبه له وواصلت كلامها بصراخ وهي تطبق بسبّابتها على صدر كاين بتهديد: ... هذا أمر لا تملك أي حق فيه!!
ظل يرمق وجهها الغاضب، لم يبعد أيهما عينيه عن الآخر، كانت شديدة الغضب بينما ابتسم في وجهها باسترخاء، استفزّها ذلك، ووجدته يرد قائلاً: أعرفُ ذلك جيدًا، يوروسيفر، ولا حاجة لأن تمليه عليّ هكذا، لكنني لا أرى أنكِ تعرفين بعدُ أهميّة أن تختاري شريككِ قريبًا، إنّ هذه الخطوة ليست محض رفاهيّة لكِ، بل إنها أحد واجباتك كونك السيفر القادم.
قبض على يدها بقوّة أوجعتها قليلا لكنها لم تُظهِر ذلك، وأخفضها عنه بينما يكمل: عليكِ أن تفهمي أن ما أتوقّعه منكِ ليس ما يمكنكِ أن تفعليه في ساحة القتال، لقد انتهى هذا الفصلُ بالفعل، ما أتوقّعه الآن أن تعي ما يعنيه أن تشغلي منصب كبير الآكوما، وإنّكِ تفشلين في هذا دائمًا.. دائمًا.
تحرّك ملتفًّا حولها، مرّ بجانب تاكيرو الذي وقف قريبًا منهما دون أن يتدخل في حوارهما، خصوصًا حين شعر بانزعاج مبطّن في نبرة كاين، وقد كان هذا الأخير يتابع قائلاً: تاكيرو مجرد خيار أمامكِ وسببُ وجوده الآن معنا لأجل أن يعمل داعمًا، ومساعدًا خاصًا لكِ، لا يهمني إن لم تقرري الارتباط به لكن سيهمّني أن تنسجمي معه ما دام جزءًا من فريقك. اعتبري أن هذه إحدى مهمّاتكِ كـ سيفر بعيدًا عن كونكِ أنثى أم لا.
استدار وقد ظهرت تقطيبة هذه المرة على وجهه، تحدّث بنبرة صارمة: هذه المهمة فرصتك الأخيرة لتثبتي لي صحّة اتخاذ خطوة إبقائكِ في مقام السيفر، ما لم أجد اختلافًا فإنني سأستبدلكِ دون تردد فلديّ بدائل جاهزة الآن بعد كل هذه السنين.
ردّت بغيظ: أوه حقًّا ؟ إنكَ لا تريد أن ترضى فقط... طول هذه السنين بذلتُ جهدي لأنتزع اعترافك لكنني كلما تقدّمتُ أجدك تُبعد خطّ النهاية أكثر!! لِمَ لا تستبدلني ببساطة وتخلصني بدلا من أن تعبث بي هكذا ؟!
احتدّت عيناه ونبرته أيضًا حين أجابها: ألا ترين أني هكذا أمنحكِ المزيد من الوقت كل مرّة؟ لكنكِ لا تقدّرين صبري معكِ ولستُ أراه يثمر حتى الآن، هذا محبط حقًّا.
رصّت على أسنانها وبدا أنها اتخّذت وضعية هجوم إلا أنها وجدت تاكيرو يقبض على يدها ويثنيها قائلاً: إن واصلتِ هكذا فإنكِ ستفقدين فعلاً آخر فرصكِ، يوروسيفر، هل تريدين ذلك فعلا ؟
استدارت له بتفاجؤ مما يقوله، تشوّشت أفكارُها، فـ تاكيرو هذا لم يعد يتصرف معها بنفس الطريقة التي اعتادتها منه مؤخرًا، وتساءلت، أكان فعلاً جادًّا بشأن فتح صفحة جديدة معها كما قال آخر مرة؟
ورغم ذلك، نفضت يدها مبعدة قبضته عنها، وحرّكت شفتيها قاصدة تأنيبه: لا تلمسني أيهّا الـ...!
قاطعها صوتُ كاين الذي ارتفع وهزّ المكان: اكبَري يوري، هلّا فعلتِ؟!!
أعادت ناظريها إليه، كما التفت تاكيرو إليه بتوتّر، كانت حدقتاه تضيقان، وحُمرَة قزحيّتيه بدت وكأنما تتوهج، أوقع مظهرُه نوعًا من الرهبة في نفسِها هي ومن كان بجانبها، ومع ذلك استمرّت بتثبيت عينيها عليه مقطّبة، وبعد ثوانٍ استسلمت وتراجعت، تبدّلت ملامحها إلى أخرى شابها الضيق، وقد ظهرت نينا إلى جانبها واضعة راحة يدها خلف ظهر يوري، وأخذت تربّت عليها قائلة: ليس هذا وقت نقاش المسائل العائلية، دعونا نستأنف ما لدينا فجداول أعمالنا لن تنجز نفسها لوحدها!
ختمت جملتها وهي تحرّك عينيها من يوري إلى كاين، كانت تُظهِر ابتسامتها المسترخية المعتادة، ووجدت كبير الآكوما يعود لهدوئه وتتبدل قسمات وجهه إلى الجمود، خصوصا بعد ظهور أودين إلى جانبه أيضًا، أغمض عينيه وتحدّث: أعتمدُ عليكِ في الاعتناء بهذين الاثنين، نينا سينسي.
تحرّك بعدها قاصدًا جهة المخرج، وخاطب مستشاره: أودين، استمرار الوضع هكذا متعِب، ستتكفل أنتَ بمتابعة ما يتعلّق بهذين المستجدّين مع نينا من الآن وصاعدًا، فأمامي حربٌ تستدعي تركيزي عليها بدلاً من العبث مع الأطفال.
انحنى تابعه بصمت وطاعة، وتحرّك خلف سيّده حتى اختفيا من المكان.
كانت يوري تخفض رأسها، انسدلت خصلات شعرها أمام عينيها لتغطّيهما، بينما عبس تاكيرو وهو يعقد ذراعيه وهو ينظر للجهة التي غادر منها كبير الآكوما، وقال متذمّرًا: جميل، والآنَ غدوتُ طفلاً بالنسبة له؟
وقد كان يفكّر في نفسه: "لقد أصبتُ في تخميني، إنني محضُ جليس أطفال لوريثته المزعجة!"
التفت إلى يوري وتابع تذمّره: بجدّية، يوري، ألم تسأمي من خوض هذه الحوارات معه؟ هناك شيء واحد يدهشني دائمًا بشأنك، وهو أنكِ تجرُئين على الصراخ هكذا في وجهه دون أن يقوم بشيء أبعد من توبيخك، صبرُ كاين سينسي مدهش كذلك.
رفعت نينا عينيها إليه متعجبّة من قوله لكنها لم تقل شيئًا بل كانت تتطلع إلى ردّ يوري على كلامه، وظلت المعنيّة صامتة ولم تقدم على أي حركة، قبل أن تتحدث فجأة بنبرة هادئة: تاكيرو...
احتار من ندائها لاسمه بهذه الطريقة، وجدها ترفع رأسها شيئًا فشيئًا وهي تدير وجهها نحوه وتبتسم ابتسامة مقتضبة، فظهر الارتباك على وجهه، تابعت كلامها له: إنني أكرهك بما يكفي، ولكنني مجبرة على عدم التعرّض إليك بما أنك، وللأسف، من الأسياد الآن، فالتزم بحدودك ولا تتدخل بشأني، ولا تجعلني أعِد ذلك ثانية إن كنتَ تريد أنت أيضًا ألا تخسر مكانك.
رفع حاجبًا باستنكار من قولها، بينما أطلقت نينا ضحكة وهي تعلّق: يبدو أني سأحظى بوقت ممتع وأنا أراقب كيف يكبح كلّ منكما نفسه بهذه الطريقة، جيّد، جيّد.
ثم أطبقت كفّيها وتحدّثت: هيّا، علينا البدء بما لدينا فأمامنا جدول طويل.
اختفت بهما بعد ذلك دون أن تسمح لأي منهما بقول شيء.
.
.
في منزل أسرة ميازاكي، كانت جوان خارجة من ناحية المطبخ وهي تحمل بيدها كأسًا من الماء، مرّت بجانب جاكي الذي غفا على الأريكة وقد غطى وجهه بكتاب كان يقرؤه، توقفت بجانبه ناظرة إليه بامتعاض، ارتشفت قليلا من الماء ثم وضعت الكوب على الطاولة بجانب الأريكة وأبعدت الكتاب عن وجه زوجها قائلة بعتاب: هل بقيت مستيقظًا لساعات متأخرة يوم أمس أيضًا ؟ لديك اجتماع مهم بعد يومين ويجب أن تكون في كامل لياقتك جاكي كن.
شد جاكي على عينيه إثر الضوء، وقد أيقظه ذلك، نهض واعتدل في جلسته وهو يسأل بصوت مبحوح إثر غفوته: غالبني النعاس وأنا أقرأ، لم أطل السهر أمس صدقيني.
أطلقت جوان قهقهة خافتة لدفاعه عن نفسه، ثم جلست إلى يساره على الأريكة، وقبل أن يضيف أحدهما شيئا سمعا طرقًا للباب جاء بعدها صوتُ إيزومي: مرحبًا، لقد أتيت!
نظرا ناحية المدخل فأجابه جاكي: أهذا أنت إيزومي كن؟ تفضل بالدخول.
توقف إيزومي على رأس الغرفة وألقى التحية، وبدا أنه يبحث عن أحد ما، تساءل: أليست جدتي هنا ؟
أجابه جاكي: لقد خرجت أوكاسان برفقة إحدى صديقاتها للتبضع والمشي قليلا ولا أعلم متى تعود، هل أردت منها شيئا ؟
ظهر نوع من الإحباط على وجهه وهو يجيب: آه.. (ثم استدرك) ما دامت جدتي غير موجودة فهذا يختصر علي المقدمات، كنتُ أودّ إخباركم فقط بأن آتسوكو هنا.
بدت علامات الاستفهام فوق رأسَي كلّ من جاكي وزوجته، وتساءلت جوان: آتسوكو؟
التفت إيزومي إلى شخص ما بدا أنه يقف بالجهة خلف الحائط الذي يغطي المدخل، وناداها: يمكنكِ الدخول آتسوكو تشان، للأسف جدتي ليست هنا لكن جاكي أوجيسان موجود.
ظهرت فتاة ذات شعر بني وعينين خضراوين، بدا أنها كانت غارقة في تأمل المكان، كانت تحدّث إيزومي بينما تقترب منه بنوع من التساؤل وبصوت منخفض: ليست هنا ؟ ظننت أن هناك ثلاثة أشخاص...
التفتت إلى الشخصين الذين قاما من مكانهما وهما ينظران باتجاهها، وبمجرد أن وقع بصرها على جوان حركت شفتيها: أوه...
لملمت كلماتها ثم انحنت ملقية التحية بتهذيب: مرحبًا، أدعى هوكّايدو آتسوكو، سررتُ بلقائكما.
رفعت جوان يديها مغطية فمها بإعجاب قائلة بعينين متلألئتين: ياللتهذيب! وكأنها من النبلاء...
أومأ جاكي برأسه ردًّا على تحيتها وقد غرق في التفكير محاولاً التذكُّر: هوكّايدو؟
تبدّلت ملامحه إلى التفاجؤ وارتفع صوته بعجب: هوكّايدو ؟!!!
التفتت جوان إليه مستغربة، كانت آتسوكو تتقدم برفقة إيزومي الذي ابتسم إلى الداخل، وقد أرسل لها عتابًا خفيفًا: لا تُلبسي عليه الأمور آتسوكو، عليكِ أن توضّحي.
أطلقت ضحكة وعادت تنظر ناحية جاكي وتابعت: أظن أنك خالي جاكي، إنني أدعى إيتسوزوكي آتسوكو في الحقيقة لكن...
حلّت الصدمة على جاكي، وكذلك على جوان، والتي سألت بتلقائية: ألم يكن هذا اسم عائلة شقيقتك... جاكي كن؟
فوجئ من بالمكان بجاكي وقد طوّق آتسوكو بذراعيه يعانقها بحرارة، بدا متأثرًا رغم حفاظه على رباطة جأشه، ابتسمت آتسوكو بعد تفاجؤها وبادلته العناق، وكذلك ابتسم كلّ من إيزومي وجوان، والتي عادت لتقول بسعادة: أنتِ ابنة أياكو-نيه إذن، سمعتُ الكثير عن والدتك من جاكي ولكني لم أتوقع أن تزورينا اليوم.
ابتعد جاكي ليتفحص معالم وجهها: إنكِ ابنة أياكو بلا شك، لكِ العينان نفسها...، كنتُ قد بدأتُ أيأس من أية أخبار بخصوص نيه-تشان.. ولا أصدق أن ابنتها تقف أمامي الآن.
نهض من مكانه وهو يتابع متجها للمدخل بلهفة: هل هي في الطريق خلفكما ؟
لم تجب آتسوكو، بل فعل إيزومي قائلاً: للأسف ما يزال والداي في عالم الأشباح، آتسوكو هنا برفقة باكي أوجيسان فقط.
التفت جاكي إليه: أوه! باكي سان هنا أيضًا ؟ في الحقيقة يسرني أنه من حضر بدلاً من آيزوكو...
أنهى جملته بضحكة، فقطّبت جوان حاجبيها ونكتزته أعلى ذراعه مما جعله يتألم ويكفّ، ثم استدرك قائلا: يبدو أنه لم يرافقكما إلى هنا.
أجابته آتسوكو: نعم، لقد بقي في منزل والديّ برفقة هونوكا أوباسان.
لم تبارح الابتسامة وجه جاكي، بدا أنه يستعيد ذكرياته وهو يرد: لا بد لي أن ألتقي به قبل أن يغيب ثانية.. (انتبه إلى أمر ما) وبذكر هذا، كم ستمكثان هنا ؟
رفعت آتسوكو يدها إلى ذقنها وأجابت بتفكير: يفترض أنها ثلاثة أيام، قد نمددها إن لم تتحسن صحة باكي أوجيسان.
دعت جوان الواقفين للدخول والجلوس بدلاً من الوقوف، وأثناء ذلك قالت: أوه، كأنني سمعتُ أن خالكِ.. باكي سان هو قائد التينشي أو شيء كهذا، لم أتصور أنه يمرض أيضًا فكل ما أعرفه عنه أنه كائن خارق أقرب للأساطير، أوضعُه سيئ جدًا ؟
هزّت المعنية رأسها بالنفي قائلة: إنه بخير، يحتاج إلى الراحة فقط حتى لا يكون في وضع سيئ.
كان جاكي الوحيد الذي لم يرافقهم للجلوس بل بدا سارحًا حتّى أنه بالكاد سمع إجابة آتسوكو وما يليها، التفت إليهم وصرخ حين استوعب أمرًا ما فجأة: هل سيرحل إيزومي عنّا خلال ثلاثة أيام؟!!!
فزع الثلاثة من صراخه المفاجئ فقطبت جوان حاجبيها ووبخته: ألم يكن بوسعك أن تسأل بهدوء أكبر جاكي كن؟! لقد أخفتني! إنك صاخب اليوم فوق العادة!
حك رأسه وابتسم بارتباك معتذرًا وهو يوضّح لها أن مجيء آتسوكو أسعده فقط، لكن كلاً من الفتاة الصغيرة وشقيقها غرقا في التفكير بتلك النقطة، تمتم الأخير مما شد انتباه الجميع إليه: أنا... كنتُ أنتظر كل عمري لحظة عودة أي طريقة اتصال بوالدَيّ، وظننتُ أني سأنتقل ببساطة معهما إلى عالم الأشباح حين يظهران هنا ثانية، لكني الآن وحين بات الأمر حقيقة حتميّة أمامي... أجد التردد يتسلل إليّ وأنا من كنت أظن أن الذهاب إلى عالم الأشباح أمر لا يقبل أن يعاد التفكير فيه مرتين.
رفع عينيه إلى آتسوكو ليجد في عينيها حزنًا، أثار تعجّبه، أبعدت عينيها فورًا وعلّقت أخيرًا: إنني أفهم شعورك، لا شك أن بقاءك هنا بعيدًا عن والدينا وعن عالمنا كان صعبًا.
كلامها أزعجه فهو واثق أن بقاءها مع والديهما طول هذه السنين في عالمها لن يجعلها تفهم مطلقًا ما مرّ به، في ذات الوقت كانت له شكوكه المتزايدة حول مدى صحة اعتقاده فكلام آتسوكو كان يريبه طوال الوقت، لكنه أبقى كل ذلك حبيس نفسه، خصوصًا وأنها لم تعطِه كلامًا واضحًا ولم تشأ نفسُه أن تقفز لأسوأ الاحتمالات، واكتفى بأن انضم إليها في صمتها.
كان جاكي وجوان يطيلان النظر إليهما بحزن، تنهد جاكي قائلاً: ما دامت آتسوكو تشان وباكي سان هنا، أظن أن عليك التفكير مليًا في الأمر إيزومي كن، أمامك ثلاثة أيام لتحدد قرارك.
ثم تحرك من مكانه مقتربًا من مكان جلوسهم، وضع يده على رأس إيزومي وأكمل: وإنني أدعم أي قرار تتخذه، في النهاية أنت جزء من عائلتي ولن أمانع بقاءك هنا حتى وإن استمر هذا طول العمر، لكن إن أردت الانضمام لعالم الأشباح فهذا حقُّكَ المفهوم تمامًا.
ابتسمت جوان راضية عن كلام زوجها بينما رفع إيزومي عينيه إلى خاله دون أن يرد بشيء، بدا ممتنًّا لدعمه فقط، لكن آتسوكو كانت من اعترض قائلة: ماذا ؟!! ما دام إيزومي ابن حاكم الأشباح فيجب عليه أن يذهب إلى عالمنا بالطبع! ولا شكّ أن جدّي هاتشيرو سيرتب له مراسم تنصيب لائقة بمقام وريث عرش الأشباح!
تنهّد المعنيّ وأجاب: أجل، ذهابي لعالم الأشباح أمر حتميّ فأنا أريد لقاء والدَي بشدّة! لكن انتقالي إليه لا يقتصر على وجودهما هناك بل كل ما في الأمر أن ترك هذا العالم فجأة هكذا سيكونُ أمرًا صعبًا.
بدت جوان تفكّر في الأمر وقد علّقت بتلقائية: فعلاً يصعبُ عليّ تخيُّل مغادرتك لنا فجأة وبهذه الطريقة، على الأقل يجب لأوكاسان أن تكون على علم لكيلا يتكرر عليها غياب فرد جديد من عائلتها بشكل مفاجئ مرة أخرى.
التفت إليها: هذا أمرٌ لا شكّ فيه، يكفيها غيابُ والدتي غير المحسوب من قبل.
اتجه جاكي إلى مقعد فارغ وارتمى عليه وأخرج من جيبه علبة سجائر، وتحدّث قائلاً: يبدو أنكم تتجاهلون مشاعري أنا أيضًا، لا أصدّق أن ابن اختي سيغادرنا قريبًا، هذا سيكون صعبًا عليّ.
أظهر إيزومي ابتسامة متأسفة على وجهه وهو ينظر ناحية خاله، رفع جاكي عود سيجارة إلى فمه وكاد يشعلها بيده الأخرى، إلا أن آتسوكو أوقفته قائلة: لا تفعل!
توقّف جاكي ونظر إليها، أخفض السجائر واعتدل في جلسته وردّ قائلاً: أوه، كان عليّ أن أتأكد أنك لا تمانعين الدخان، اعذريني على سوء تصرّفي آتسوكو تشان.
علّقت بدورها: ليس الأمر أنني لا أمانع، بل التدخين سيئ للأطفال كما تعلم.
أطلق كلّ من جوان وجاكي ضحكة متفاجئة بينما ابتسم إيزومي، فقد كانت نبرة آتسوكو جادة في جملتها الأخيرة، لم تفهم سبب ضحكهم ولذلك عبست نافخة وجنتيها، أعاد جاكي ما بيده إلى جيبه، وتابع: إنكِ ظريفة حقًّا آتسوكو، إنني سعيد أنكِ اندمجتِ معنا بهذه السرعة.
تلاشت تكشيرتها وتبدّلت لابتسامتها الطفولية المعتادة، مجيبة: ما كنتُ لأنسجم لولا أنكَ وجوان سان لطيفان هكذا، جاكي أوجيسان، إنك تشبه باكي أوجيسان أيضًا وتذكّرني به.
ردّ جاكي بقهقهة قصيرة: إنني أعرف باكي سان منذ كنت في السادسة تقريبًا، ولا أخفيكِ سرًّا أنه قدوتي والفضل يعود له إلى ما صرتُ عليه اليوم! كنتُ أحبّه أكثر من آيزوكو، أتساءل إن كان قد أخبركِ والداكِ عن ذلك.
أجابت: لقد أخبرني باكي أوجيسان عن هذا، كان يقول أنه كان يرافق والدي إلى هنا بفترة خطبته لوالدتي أحيانًا ويبعد الملل عن نفسه بقضاء الوقت باللعب معك.
ظهرت على وجه جاكي ابتسامة بينما يتذكر ذلك: آه، كنا نتسلى بلعب الكرة في فناء المنزل بينما ينتهي آيزوكو من زياراته الروتينية لأختي، ولطالما استقبلتُ والدكِ بعبارة: من الأفضل لك أن يكون باكي سان معك وإلا فارحل من هنا.
أنهى كلامه وهو يضحك متذكّرًا ذلك، رفعت جوان حاجبًا: أأنتَ فخور بسوء أدبك مع أخيك آيزوكو؟ هذا سيئ...
دافع جاكي عن نفسه قائلاً: ماذا ؟ كنتُ صغيرًا حينها وكانت تصرفاتي ضد آيزوكو كلها نابعة من رفضي لفكرة أخذ شقيقتي الوحيدة مني.