المساهمات : 18 تاريخ التسجيل : 15/07/2024 الموقع : In Raytorika kingdom
موضوع: ضِياء في قَلـــبِ الظُلمةِ..! السبت يوليو 20, 2024 12:47 am
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
مرحبًا أيها الضيائون جميعًا، ها نحن هنا أخيرًا
بداية جديدة فيها كل الخير يا رب.. وتجربة عسى أن تكون الأجمل
لن أطيل الحديث بالمقدمات..
ضِياء رواية تمزج الخيال بالأجواء التاريخية، هنا حيث الهواء يعبق بالسِحر والمغامرة وجِلسات سمرَ الأصحاب
أتمنى أن تنال على اعجابكم، وأن تحضى الشخصيات بكل المحبة والقَبول
[فهرس الفصول المنشورة]
0. التمهيد.
1. لهبُ البدايات..!
...
Kyuubi Mimi يعجبه هذا الموضوع
Śummєя المشرفون
المساهمات : 18 تاريخ التسجيل : 15/07/2024 الموقع : In Raytorika kingdom
موضوع: رد: ضِياء في قَلـــبِ الظُلمةِ..! السبت يوليو 20, 2024 1:11 am
من السهلِ أن نحبَ الضوءَ، إنّه يمثلُ الخيرَ المطلق، الصفاءَ التام!
لكنَّ البشرَ غير مصنوعينَ من النور، هناكَ نقطةٌ سوداءُ تضيقُ وتتسعُ في كُلٍ منا..
من السهلِ أن نحب الضوءَ، لكن ماذا لو كانَ ممزوجًا بالظلمةِ؟!
Kyuubi Mimi يعجبه هذا الموضوع
Śummєя المشرفون
المساهمات : 18 تاريخ التسجيل : 15/07/2024 الموقع : In Raytorika kingdom
موضوع: رد: ضِياء في قَلـــبِ الظُلمةِ..! السبت يوليو 20, 2024 1:18 am
0. [ التَــــمهـــيد ]
قبيلَ منتصفِ الليلِ، وسط الغابةِ. الأغصان المتشابكةُ تتحركُ بفعلِ رياح الخريف الباردةِ مثيرةً في النفس القشعريرة، كظِلال مخيفة تتمايلُ وتمتزجُ مع بعضها مطبقة على أنفاسِ كل من يراها، بينما تقطرُ بالماء من بقايا الأمطار التي توقفت قبل مُدةٍ قصيرة، تحتكُ اوراقها ببعضها ممتزجة بصوت عواء الذئاب البعيدة في سنفونية موحدة، الظلمةُ غطت على النَظرِ لكنّ لمعةَ السيف كانت واضحةً وهو يخرج من غمدهِ بهدوء مهلكٍ للأعصابِ، بينما تهتز مقلتا الضحيةِ بجنون، مصابًا نازفًا متكسرَ الأضلاعِ، كان يعودُ للوراءِ زاحفًا لاهثًا من هولِ الموقفِ.. - هل كنتَ تظن حقًا أنّكَ ستنجو بما فعلتَ؟! صدرَ ذلكَ الصوتُ الهامسُ الباردُ المهددُ من الشابِ الذي يرفعُ سيفه من علوٍ ينظرُ لخصمهِ باحتقار، بينما يتقدم منه بخطواتٍ بطيئة، جعلت الرجلَ امامه يصرخ ذعرًا هاتفًا وهو يرفع كلتا يديهِ: اسمعني ارجوكَ، اعطني فرصة لأشرحَ.. - تشرح.. خيانتكَ؟! قالها الشابُ الأشقرُ المتشحُ بالسواد أمامه يبصق كلماتهِ في وجهِ الأخرِ مكملاً: ستعرفُ الآن جزاءَ ما فعلتَ.. - آليكــس.. التفتَ الشابُ الأشقرُ للوراءِ حيث ناداه صاحبه الثاني، شابٌ أخرُ مماثل له في العمرِ بعينين زرقاوتين حادتين، يهمس من بين أسنانهِ بحذر: يبدو أنّ لدينا رفقة.. عقد المعني حاجبيهِ وهو يبصرُ شابين أخرينِ يقفانِ قربَ عربةٍ مربوطةٍ لحصانٍ ينظران بعينين متسعتين وجلتينِ من هول ما يحدث، واحدهما يتمتمُ: ماذا يجري هنا؟! ليصرخَ فيهما الضحية بيأس هاتفًا برجاء: ساعداني.. ارجوكما.. ساعداني… !!
..
عدل سابقا من قبل Śummєя في السبت يوليو 20, 2024 1:46 am عدل 1 مرات
Śummєя المشرفون
المساهمات : 18 تاريخ التسجيل : 15/07/2024 الموقع : In Raytorika kingdom
موضوع: رد: ضِياء في قَلـــبِ الظُلمةِ..! السبت يوليو 20, 2024 1:22 am
فتحت صفحته الأولى فطالعتها تلكَ الجملةُ المكتوبة بالخطِ العريضِ:
" قبلَ أن تتمكنَ من الاحساسِ بالضـوءِ، يـجدرُ بـكَ أن تتخطى الظــلامَ أولاً".
..
Śummєя المشرفون
المساهمات : 18 تاريخ التسجيل : 15/07/2024 الموقع : In Raytorika kingdom
موضوع: رد: ضِياء في قَلـــبِ الظُلمةِ..! السبت يوليو 20, 2024 1:31 am
قبل حادثة الغابة بيومٍ واحد قرية إيفوري، صباحًا.
السماءُ بوشاحها الأزرقِ مزينةٌ بغيومِ قطنيةِ كسربٍ وديعٍ من اللونِ اللأبيضِ الناصعِ، احتضنت بينَ اضلعها أشعةَ الشمسِ بجوٍ خريفي معتدلِ البرودةِ، تراقصت أغصانُ الأشجارِ المنتشرة في ثنايا المدينةِ بحركة الرياح القويةِ، ناثرة أوراقها الصفراءَ المحمرة الجميلةَ في الساحةِ وعلى الطرقات. في مدينة إيفوري الصغيرة قريبًا من العاصمةِ في مملكةِ رايتوريكا، ذاتِ الطرازِ المعماري البسيطِ والمنازل بالقرميد الأحمر، كانتِ الحياةُ قد دّبت في اسواقها وشوارعها المختلفةِ، يَفتحُ الباعةُ متاجرهم في الصباحِ الباكرِ مستبشرين برزقٍ وافرٍ اليومَ، بينما حرّك الباعة المتجولون عرباتهم استعدادًا لنهارٍ طويلٍ من العملِ المثمرِ. سارَ ذلكَ الرجلُ العجوزُ ذو اللحيةِ البيضاءِ الخفيفةِ منحني الظهرِ بخطواتٍ بطيئةٍ قاصدًا دكانَ الحدادةِ الخاص بهِ، بحاجبين معقودينِ وشفاهٍ مزمومةٍ ضيقةٍ التفت حولها التجاعيدُ، كان مزاجه واضحًا فتجنبَ المارونَ السلامَ عليهِ اتقاءَ عصبيتهِ ونزقهِ، يحملُ في يدهِ حقيبته الجلدية القديمة بأغراضهِ الخاصةِ. التفّ حولَ الشارعِ حتى وصلَ إلى وجهتهِ، ورشة الحدادةِ المختصةِ بصناعة أنواعِ الاسلحةِ المختلفة، لكنَّه تفاجأ ببابُ الدكانِ المفتوحِ على مصراعيهِ على غير العادةِ! ازدادَ انعقادُ حاجبيهِ الكثينِ استغرابًا ثم ولجَ بخطواتهِ الثقيلةِ إلى الداخلِ أخيرًا، غرفة الدكانِ كانت ادفأ بكثير من الجو خارجه، باعمدتها الخشبيةِ وجهاتها الزاخرة بمختلف أنواع الأسلحة، من السيوف المعلقة على حيطانها إلى النبال المرتبة في سلالها بجانب أقوسها المائلة، إضافة إلى كل السكاكين والخناجر والحبال والمصائد المتعددة ، حتى الخرائط أخذت مكانها بين رفوف الدكان مع عددٍ لا بأسَ بهِ من السجلاتِ والأوراق الصفراءِ المبعثرة، أما باقي الأدوات فقد اختبأت بين الرفوفِ المتعددة تنتظر من يشتريها، أما في الوسطِ تمامًا فطالعتهُ صورة ذلكَ الشابِ العشريني الأصهبُ المنحني على المكتبِ الخاصِ بهِ، وقد نشرَ عليهِ العديد من الأوراق منكبًا يرسم على إحداها.. _ ما الذي تعتقدُ نفسكَ فاعلًا؟! رفعَ الشابُ رأسهُ مجفلًا ولم يكن قد انتبه على دخولِ أحدٍ للمتجرِ، تركَ القلمَ واستقامَ بسرعةٍ قائلًا: صباحُ الخير سيد روبرت.. _ ما الذي يجري هنا؟ تلفت جايدن من حولهِ مستغربًا قبل أن يتساءل بغير فهم: ماذا؟! صاحَ بهِ العجوز بنزقٍ: وجودكَ هنا في هذا الوقتِ المبكرِ من الصباحِ! أنتَ لا تأتِ كل يومٍ حتى انتصاف شمسِ الظهيرةِ بكسلٍ بالغٍ! _ أيُّ كسل! انا اقوم بعملي على أكملٍ وجه! قالها الشاب وهو يعقد حاجبيهِ باعتراض بدا واضحًا على حدقتيهِ العسليتين، وجسرِ أنفهِ الذي احتوى على نمشٍ بسيط جدًا لا يكاد يُرى إن لم تركز النظرَ فيهِ. اتجه معلمهُ للمكتبِ يضعُ عليهِ الحقيبة الجلدية التي كان يحملها وهو يقول ببرود: لا ينفي ذلكَ قدومكَ المبكرَ على غير العادةِ، منذ متى وأنتَ هنا.. منذ الشروق؟! خللَ جايدن اصابعهُ بين خصلاتِ شعرهِ حمراءِ اللون بدرجتها الداكنةِ هامسًا: لم أستطعِ النومَ فقط، راودتني الكثير من الأفكارِ، ولم أشعر بنفسي إلا وأنا اتجه للمتجرِ مقررًا افتتاحه لعليّ اشغل نفسي بشيء مفيد. قالها وهو يُسرع برفعِ الأوراق بالرسوماتِ المختلفةِ التي كان يعملُ عليها مكملًا وهو يريها للمعلمِ: أنظر سيد روبرت لقد خطرَ ببالي تصميمٌ جديدٌ لرأس الرمحِ الثنائي الذي تكلمنا عنهُ المرة الماضيةَ، كما أنّي فكرتُ بحلٍ للسيدِ مارون الذي طلبَ سيفًا خفيفَ الوزنِ لابنهِ المراهق، أعتقدُ أنّ المشكلةَ في المعدن المستخدم كانت.. _ نعم اكذب، اكذب.. قالها الرجلُ وهو يتجاهل رسوماتِ جايدن ويمرُ أمامهُ إلى باب الدكانِ من غير اهتمامٍ وقد تركَ الشابَ خلفهُ فاتحًا ذراعيهِ مندهشًا بضيقٍ، مدَّ رأسهُ إلى الشارعِ صارخًا بأحدِ المارة: أينَ الفتى المتجول الذي يبيعُ الشاي؟! احضر لي واحدًا حالًا!!! تجهمت ملامحُ جايد بينما يعودُ معلمه للداخلِ فهتفَ بهِ: ما الذي تعنيه؟ اجابَ السيدُ مباشرة وهو يجلس خلف مكتبهِ على كرسيهِ الذي كان يحتله جايدن قبل قدومهِ: أرقكَ لم يكن بسببِ أفكاركَ اللامعةِ أيها الكاذبُ، وأنا أعلمُ أن اجراءاتِ اختيار الحراسِ هو كلُ ما يشغل بالك! اهتزت عينا الشابِ بلونها العسلي الرائقِ تفضحانِ اختلاجاتهِ الداخلية، فلوى شفتيهِ عاجزًا عن الانكارِ يُدرك أنّه مكشوف لمِن حوله أكثرَ مما يظنُ حتى! تنهدَ يرمي رسوماتهِ على المكتبِ معترفًا: إن لم يتم قبولي فلا أعلم حتى ماذا سأفعل.. _ تكمل عملكَ معي هنا كما كنتَ تفعلُ لسنواتٍ. قالها وهو يُخرج نظارتهُ ذات العدساتِ الدائرية الصغيرة ويلقي نظرةً على رسومات الشابِ التي تركها بغير اهتمامٍ، إنّها فنٌ ممزوج بالابداعِ كالعادة! مهتمًا مغرمًا بالاسلحةِ إلى حد الشغف، كان جايدن يضع روحه في تلكَ الرسوماتِ التي يصمم فيها اسلحة مختلفةً، لم تكن أفكارًا جديدةً بالكاملِ، تكاد تكون تقليدية في أغلبِ انواعها، لكنّ تعديلاتهِ الطفيفة تلكَ كانت تعطي رونقًا لكلِ قطعةٍ يقوم بتصميمها، بينما يتولى هو _السيد روبرت_ حدادةَ ذلكَ السلاحِ حتى يكتملَ كقطعة فنيةٍ مناسبة تمامًا للشخص الذي يطلبها، وقد صُممت وصُنعت له فقط لا غير. _ لا اريد أن أكمل عملي هنا، أريدُ أن أكون حارسًا! رفعَ رأسهُ للشاب الذي قال ذلكَ بشرود وهو ينظرُ للأسلحة، يتلمس طرف إحداها ويكمل: لقد اكتفيت من تصميمها، لقد اكتفيت من صنعها، والآن أريد استخدام كل واحدٍ منها كما ينبغي لها أن تُستخدم.. _ لا بأس، يمكنكَ المحاولة مرة أخرى في العام القادمِ، أو الذي يليه.. لكن ليس أكثر، لأنّهم يعطون ثلاثة فرصٍ لكل شخصٍ فقط. نظرَ جايدن للرجلِ ببرودٍ وقد ندم على مشاركتهِ أفكاره، كاد يتكلم لولا أن دخل فتى مراهقٌ للمتجرِ فجأة يحملُ كوبًا من الشاي الساخن تتصاعدُ منه الابخرة، بخطواتٍ مرتبكةٍ من نظراتِ العجوز الذي صرخ بهِ: امسكه بشكلٍ جيدٍ، تكاد تسكب نصفهُ وأنتَ تتحرك كالأخرقِ. أجفل الفتى وازداد ارتباكهُ من صراخ الرجلِ بهِ، بينما تنسكبُ قطرات الشاي على يديهِ فجأةً، خرجت منه صرخة متألمة وهو يتراجع للخلفِ خطوةً فزادَ الأمر سوءً وقد كاد الكوب كله ينقلبُ عليهِ، لولا أن أسرعَ جايدن يقبضُ على الكوب الخزفي بأصابعهِ من الأعلى والأسفلِ مثبتًا اياهُ بعدَ ان انسكبَ جزءٌ منه على جلدهِ فتأوهَ من لسعتهِ الساخنةِ.. _ أنا أسف، أنا أسفٌ جدًا.. هل تأذيتَ؟! قالها الفتى بهلعٍ وهو يلاحظُ قطراتِ الشاي الساخن التي كانت تقطرُ من بين يدي الشاب، الذي ابتسمَ بمودةٍ مجيبًا: لا تقلق عليَّ، هل أنتَ بخير؟! _ نعم، نعم.. وصلهم صراخُ الرجلِ في الخلفِ غاضبًا: لا أريدُ هذا الكوب، احضر لي واحدًا جديدًا حالاً!! قلبَّ الفتى نظره بارتباكٍ فهمسَ بهِ جايدن مطمئنًا: اذهب أنتَ، سأتعامل معه بنفسي.. ركضَ الصغيرُ للخارجِ بعدَ ان استلمَ اجرته البسيطةَ هاربًا من العجوزِ النزقِ، بينما اتجه لهُ جايد يضعُ كوبَ الشاي على المكتبِ أمامه هاتفًا: اشربه وتوقف عن الصراخِ منذ الصباحِ! يا اللهي لا أعلمُ كيف سيصبر الزبائن عليكَ إن رحلتُ عنكَ. _ هه هذا إن تم قبولكَ فعلًا. توقف لثواني ثم أكمل مكشرًا بانزعاج محاولًا ثني الشابِ عن قرارهِ: أعني.. أنا لا أعلم حتى لِما أنتَ مُصِّرٌ أن تكون حارسًا، لو كنتَ ستصبحُ فارسًا لقلتُ أنّ الأمرَ مختلفٌ، لكن حارس..! تلاحقُ اللصوص وتفكّ شجاراتِ الحاناتِ والمغفلين؟! اكفهرَ ملامحُ الشابِ وماجَ العسلُ في عينيهِ هامسًا من بين أسنانهِ: أنتَ تعلمُ أنّي لا أستطيعُ أن أكونَ فارسًا، إنّي لا أملكُ أيَّا من تلكَ المتطلباتِ، ولن أجلس في انتظارِ هبةٍ قد لا أحصلُ عليها في حياتي.. كما أنَّ والدي كان حارسًا عظيمًا، لقد اجتهدَ في عملهِ حتى وصلَ إلى قلبِ القلعةِ بجهدهِ وتفانيهِ! كاد العجوز يرد عليهِ لولا أن رفع جايدن كفيهِ للأعلى مكتفيًا وهو يقول: سأبدأ العملَ في الورشةِ على سيفِ السيدِ مارون كما أخبرتكَ.. سأغيرُ المعدنَ من الحديدِ للفولاذِ، إنّه مجرد سيف تدريبٍ ويجب أن يكون خفيفًا وسهلَ الحملِ على ابن الرجلِ. قالها متجهمَ الملامحِ بينما يتجه لبابِ أخرَ على يمينِ المكتبِ، تحتَ عيني العجوز غير الراضيتينِ عن رحيلِ تلميذهِ! في الورشةِ كان المكانُ عبارة على غرفةٍ أكبرَ حجمًا وأقلَ ترتيبًا، تحوي على بعض المكائنِ الحديدية المستخدمة في صناعة الأسلحةِ، مع موقد كبيرِ والكثير من أدوات الحدادةِ، والموادِ الصلبةِ المتراكمةِ من الخشب والحديد والفولاذِ ومختلفِ المعادنِ المتنوعةِ. عندما أمسكَ جايدن المطرقةَ يطرقُ المعدنَ الحامي، كان تفكيرهُ قد اتجه إلى كلامِ السيد روبرت قبلَ قليلٍ، فارس...! إنّه المستحيلُ بذاتهِ، ليسَ لعيبٍ فيهِ أو ضعفٍ في قوتهِ، لكنّه فقط ذلكَ الشرطُ اللعين للانظمامِ للفرسانِ، جنودُ المملكة الخاصون المتفردون جدًا، المعنيون بالمهمات الخطيرة والصعبةِ، المسؤولون عن أمنِ المملكة والشعب عامة.. يجب أن يمتلكَ قدرة التحكم بالعناصرِ السحريةِ، وهو ببساطةٍ لا يفعل! مما يجعله يختارُ الخيارَ الوحيد المتبقي له، أن يكون حارسًا.. حيث تتمثلُ مهمات الحراسِ في حفظ أمنِ منطقة معينة، ومساعدةِ الناس وما شابه ذلكَ من المهمات اليومية، إنّه ليسَ حُلمه الأكبرَ.. لكنّه أيضًا ليس زاهدًا فيهِ، بل راغبًا وبشدةٍ.. فمهما كانت المسمياتُ، تبقى رغبته الأساسية هي اتباعَ خطوات والدهِ الراحلِ، أن يكون مثالًا للعطاءِ والانقاذِ والتفاني.. لذلكَ لن يسمحَ لأحدٍ أن يسلبه فرحة تحقيقهِ الوشيك.
..
Śummєя المشرفون
المساهمات : 18 تاريخ التسجيل : 15/07/2024 الموقع : In Raytorika kingdom
موضوع: رد: ضِياء في قَلـــبِ الظُلمةِ..! السبت يوليو 20, 2024 1:36 am
بعد مضي عدةِ ساعاتٍ، وارتفاعِ شمس الظهيرة في كبد السماءِ، كان جايدن قد انهى العملَ على السيفِ، وقضى بعضَ الوقتِ في مساعدة الزبائن في اختيار الاسلحة التي تناسبُ كل واحدٍ منهم، ثم عَمِل على إكمال بعض التصاميمِ والرسوماتِ التي تركها صباحًا، تناولَ الغداءَ مع السيد روبرت النزقِ والمتجهمِ على الدوامِ، ثم قبيلَ وقتِ العصرِ حملَ السيفَ وقال لمعلمه: ساجربه في الساحةِ الخلفيةِ، قال السيد مارون أنّه سيأتِ لاستلامهِ مساءً لذا اريدُ أن أتأكدَ أنّه لا يحتاجُ أي تعديلاتٍ اضافيةِ. _ اتركه للمساءِ ثم جربه أمامَ ذلكَ السيد، إنّه صعب الاقناعِ ومتطفل مزعج! _ لا استطيع البقاء للمساء، سام من المفترض أن يصلَ قريبًا، وأريد أن اقضي باقي النهار معه. قالها بقلقٍ على صديقهِ الذي تأخرَ هذا اليومَ، وكان ينتظر قدومه منذ فترة.. اتجه بعدها للباب الخلفي من الورشةِ، والذي يُطل على ساحةٍ واسعةٍ فارغةٍ جرداء يستخدمها جايدن للتدريب يوميًا، قبضَ على السيفِ بكلا كفيهِ، صلّبَ جسدهُ بطولهِ الفارعِ وعضلاتِ يديهِ البارزتينِ من التدريب المستمرِ، أغمضَ عينيهِ وأصغى لصوتِ ريحِ الخريف المنعشةِ، هبت نسمةٌ حركت خصلاتِ شعرهِ الصهباءِ ودفعت الأوراق البرتقالية والأتربة تحتَ قدمه، ثانية وفتح عينيه اللتان شعتا بتصميم خفي بلون العسلِ السائل، مُحاطتين بحلقتين خفيفتين جدًا من أخضرَ يانعٍ لا يظهر إلا عندَما تنعكسُ الشمسُ عليهما، لم يعد الأمر يتعلق بالسيفِ فقط... إنّه يريدُ أن يثبت لنفسه شيء ولن يرتاح حتى يفعل! انطلق كالليثِ ينفذُ سلسلةً من الحركات القتاليةِ، ضرب عدوًا وهميًا أمامه ثم انحنى ليتجنب ضربة أخر، دارَ حول نفسهِ وضربَ مرة أخرى لكن من جهة الخلفِ وهكذا لبضعِ دقائق إضافة، كان يستطيعُ الاستمرارَ اليومَ بطولهِ، إنّها تلكَ العلاقةُ المحببة التي تربطه بهذا السلاحِ، يمكنّه أن يستعمله لوقتٍ طويل فلا يَكِلُ ولا يتعبُ.. لكنّ ما اوقفه كانَ صوتَ الخطواتِ من وراءهِ، فأنهى تدريبه أن غرسَ السيفَ في الأرضِ بقوةٍ فشقّ النصلُ حدَّ التربة وانغرسَ فيهِ، ليستندَ جايدن على المقبضِ وهو يأخذ انفاسه ملئ رئتيهِ.. مسحَ العرقَ عن جبينه مستديرًا إلى صوت التصفيق من ورائهِ، فرأى شابًا يماثله في العمرِ، في منتصف العشريناتِ يقول له بانبهار مشجعًا: أحسنتَ، حقًا أحسنتَ... أنتَ تثيرُ الاعجابَ في كل مرةٍ أراكَ فيها!! _ أتيتَ أخيرًا؟! قالها جايد بسعادةٍ غامرة وهو يبصر صديقه الأعز، بوقفته المستندة على الحائط بكل سيطرة وكبرياء يليق به، شعره الأسودُ القصير وعيونه البحرية بلونها الأزرق الجميل، المختبئة خلف إطار نظارتهِ الغامقِ وملابسه الأنيقة العملية التي تليق بشابٍ من عائلةِ كعائلتهِ الثرية. أسرع جايد له وعانقه مرحبًا به بكل شوق وبهجة ثم قال متسائلًا: كيف الأحوال، سايمون؟! _ بخير، أنتَ تعرفني، غارقُ بالعمل والدراسة كالعادة! ابتسم الثاني وقد كان يعرف صديقه الطموح المثابرَ دودة الكتبِ ذاك، فقال يتساءل بقلق: كما هو متوقع! إذن لماذا تأخرتَ؟ كان من المفترض أن تصلَ في الصباح الباكر، أقلقتني عليكَ يا رجل! تجهمت ملامح سام واجابَ بجدية: أسف لم يكن هذا مقصودًا, لقد تنبأ أفراد القبيلة عن هبوب عاصفةٍ قريبةٍ، وقرروا ايقافَ الرحلةِ، لكنّ التجارَ طالبوا بالدواء.. يبدو أنّ هناك من يحتاج إليهِ بشدةٍ لذا لا يريدون الأنتظار، فانطلقنا متأخرينَ بعدَ أن وافقَ المسؤولون أخيرًا.. كما أنّ طريق الجبل كان وعرًا واحتجنا وقتًا لاجتيازهِ. رفعَ جايد رأسه للسماء التي كانت صافية حتى وقتٍ قريب عند الظهيرةِ، لكنّه انتبه للتو أنّ الشمسَ قد حُجبت ببعض قطع الغيومِ مغيبةً بعضَ نورها، عقد حاجبيه بتفكير.. هل ستمطر يا ترى؟ هز كتفيهِ وردّ على الأخرِ بينما يعودُ لحملِ سيفهِ المزروع في الأرضِ: لا عليكَ، سنعوض هذا الوقتَ الضائعَ في اليومين القادمين. ارتسم الارتباكُ على ملامح سايمون بسرعة، حاول أن يشرحَ الأمر لصديقهِ لكن كلماته خانته فاكتفى بابتسامة بلهاء وهو يقول: لا أستطيع! إنّه اليوم فقط! _ ماذا؟!! قالها جايد بحدة وهو يستديرُ ناحية الشاب وأكمل يتساءل: ما معنى هذا؟ قلتَ في أخر رسالة لكَ أنّك ستأتِ لثلاثة أيام وتبيتُ عندي! أطلق سام تنهيدة طويلة وهو ينظر إلى صاحبه بقلة حيلة، كونهما من مدينتين مختلفتين ولكل واحد منهما حياته يمنع عليهم اللقاء أغلب الأحيان، ولولا تجارةُ والدهِ التي تسمحُ له بزيارة مدينةِ جايدن ما كانا التقيا إلا نادرًا ... قال محاولًا شرح الموضوع وهو يشعر بالأسى الشديد: أسف حقًا جايد، أعلم أنّي وعدتكَ بهذه الزيارةِ منذ مدة طويلة ولكن علي العودة سريعًا، لقد أخبرتكَ للتو أنّهم يحتاجون طلبيه الدواءِ هذه بسرعة، ولا أقدرُ على التأخرِ ليومين إضافيين. زمّ جايد شفتيه بامتعاض طفولي، بقي ينظر لصاحبه بحدة كأنما يتأكد من صحة ما يقول، حمل سيفه وسارَ باتجاه المدخل قائلًا بانزعاج ممزوجٍ بالعِتابِ: كنتُ انتظركَ منذ أسابيع !! _ سأعوض عليكَ حسنًا! أعدكَ أن أتي المرة القادمة لأجلكَ خصيصًا! سأخذ اجازة من كلٍ شيء ولتذهب التزاماتي المتراكمة للجحيمِ.. قالها سام بقلة حيلة وهو يحاول استجداء عطفِ صديقه واللحاق به بخطوات سريعة وهو يعيد عليهِ أسفه، في مدينته يمثل هو الوريث المنتظر لعشيرته، والده لا يتركُ وقته يمر بدون أن يملأه بالدروس والتدريبات التي يحتاج إليها مستقبلًا لأجلِ حكم العشيرة، وهذا بالطبعِ عدا دراسته للطبِ والتي تأخذ جل وقتهِ وتركيزه, كذلك التدريب على استخدامِ طاقةِ الماءِ خاصتهِ. هتفَ لما رأى صديقه لا يستدير له ولا يهتم لاعتذاراته الجادة: جايد أنا أكلمك، جايد لحظة، جايدن...!! لم يرد عليه الأخر بتاتًا، لوا الشاب شفتيه بانزعاج ثم رفع كتفيه بلا مبالاة وهو يتذكر طبعَ صاحبه، سيسامحه بالتأكيد، أجل إنّه جايدن وسيسامحه! _ إنّه ممتاز سيد روبرت، خفيف وسهل الحِمل ومناسب للتدريب تمامًا. رفع المعني رأسه من سلة المشتريات التي كان سام قد احضرها معهُ، ناظرًا إلى السيف بين يدي جايد الذي وضعه على المكتب امامه، ابتسم وهو يلاحظ اللمعان في عيني مساعده الشاب، هذا نجاحٌ أخر لدكانه المميز! أجابَ وقد رحلت ابتسامته سريعًا: حسنًا هذا جيد، لنأمل ألا يعترض عليهِ ذلكَ الرجل فقط. رفعَ جايدن عينيهِ للسقفِ وقد فقد الأملَ من تحسن مزاج معلمهِ، لكنّه لم يهتمَ كثيرًا وهو يعود لمناداته قائلًا: سأخرج اليوم مبكرًا كما أخبرتكَ يا سيدي. _ لا باس، لكن تعال مبكرًا في الغد أيضًا، لا يزال هناك عمل كثير للقيام به قبل رحيلكَ. قالها من غير اكتراث و دون أن يرفع رأسه عن السلةِ، أشار جايد إلى سايمون ليخرجا من الباب الأمامي وبدا أنّه سامح صديقه بالفعل على زيارته القصيرة.
وقف الاثنان بجانب بعضهما في سوق المدينة، كانا أمام دكان كبير يبيع الكثير من الأعشاب والمواد الطبية ذا واجهة زجاجية كبيرة، وفي المقابل كان هناك عربة محملة بتلكَ الأعشابِ مع مستلزمات طبية أخرى من أدوية وعقاقير وغيرها، فقد كانت مدينة ايفوري تقع قربَ غابةٍ كبيرة واسعة الأطراف مليئة بكل أنواع النباتات الطبية المشهورة التي تُستعمل للعلاجات المختلفةِ، يتم حصادها وتجفيفها ثم تعليبها في صناديق خاصة لتأتِ عشيرة المياهِ لاستلامها ونقلها إلى مدينة نايدا.. تلكَ المدينة المخصصة لعشيرةِ الماء.. حيث يمتلكون القدرة على التحكم بذلكَ العنصرِ الصافي المبهرِ، واستعماله في استخلاص المواد الطبية من تلكَ الاعشاب المختلفةِ. كانت تلكَ وظيفة أهل سايمون، التجارة بهذه المواد ونقلها ما بين القرى القريبة.. ولذلك حضر اليوم لاستلامِ طلبية الاعشابِ تلك!. قال جايد متعجبًا من العربة التي تمتلئ تدريجيًا بالصناديقِ: إنها طلبية كبيرة هذه المرة!! _ أجل، قلت لكَ إنّهم يحتاجونها. همهم الأخرُ وهو يرى العمال ينقلون البضاعةِ بتفاني.. وقال يقترح استغلال الوقت قبل رحيل صديقهِ: دعنا نقم بشيء ما، ما دمتَ لن تبقى لوقت طويل.. نظر إليه سايمون باستغراب وهو يحك جبينه: شيء ما مثل ماذا؟! ابتسم جايد بمرح وتساءلَ: ألست جائعًا؟!
Śummєя المشرفون
المساهمات : 18 تاريخ التسجيل : 15/07/2024 الموقع : In Raytorika kingdom
موضوع: رد: ضِياء في قَلـــبِ الظُلمةِ..! السبت يوليو 20, 2024 1:38 am
بعدَ نصفِ ساعةٍ.. على تلكَ الهضبة المرتفعةِ قريبًا من الطريقِ الجبلي، جلسَ الشابان يرقبان المنظرَ المبهر أمامهما، القرية بأكملها تبدو كتحفة معمارية من المنازل القرميدية الصغيرةِ، تنعكس اشعة الشمس على أسطحها باستحياء مغمورة بالغيومِ التي تحجب نورها، على اليمينِ كانت القلعةُ الملكية شامخةً وسط العاصمةِ التي تبدو بعيدةً عن مرمى نظرهم اللحظةَ، وعلى اليسارِ كان هناكَ تلكَ الغابةُ باشجارها الضخمةِ وأغصانها المتشابكة تخفي خلفها الأسرار والغرائب.. وبعدها تأتِ مدينة نايدا تمامًا. كان ذلك مكانهما المفضلَ، إنّه الطريقُ الذي يربط بين المدينتين، إيفوري ونايدا.. موطن الصديقين الأثنين، وعلى الرغم من كونهما من بيئتين مختلفتين، حيث ينحدرُ سايمون من نسل قادةِ عشيرةِ الماءِ وابرز شيوخها، ومن أغنى العائلاتِ المؤسسةِ فيها، ووريثَ والدهِ الوحيد في مجلسِ القبيلةِ، كان جايدن من عائلة عامية بسيطةِ يمتهن الحدادةَ ويخطط أن يصبحَ جنديًا في القريبِ العاجلِ، ومع كونِ سام دودةً للكتب، مولعًا بالقراءةِ والعِلمِ، مكرسًا حياته ووقته لدراسةِ الطبِ، كان جايد أكثرَ حيوية وانطلاقًا، محبًا للحركةِ والتدريبِ وتعلم مختلف فنون القتالِ والرياضةِ.. على الرغمِ من كل تلكَ الفروق الجوهرية بينهما لكنّ أحدهما كان لا يجد في الدنيا بأكملها كتفًا كالذي يملكه الأخرُ، وقد تعاهدا في صداقةٍ قويةٍ قديمةٍ لا تنكسرُ. قضمَ جايد شطيرته وهو يحدق شاردًا في الأفق أمامه، ابتسم سام الجالسُ بجانبه متسائلًا: أنتَ هادئ أكثرَ من اللازم اليومَ، ما الذي يدور بذهنك جاي؟ _ أفكر أنّكَ أكبرُ أحمقٍ رأيته في حياتي! نظرَ له الأخرُ بغيظ ممزوج بالملل من سماعِ تلكَ القصة المتكررة، فقال جايد لائمًا يدافعُ عن موقفه: أنتَ تضيعُ مستقبلكَ تمامًا! تملكُ ما يحلمُ الكثيرون بالحصولِ عليه سايمون، لكنّك زاهد باستخدامهِ. قضمَ الأخرُ شطيرته وأخذ وقته بالصمتِ ثم أجاب: أحلامنا مختلفة لا يعني أنَّ أحدنا مخطئ في السعي وراء حلمه! _ ولكنّها فرصة لا تتوفر لأيّ كان وأنتَ ببساطةٍ... ترفضها! سام كان من هذا العددِ القليلِ الذي يملكُ طاقة خاصةً بهِ، طاقة التحكمِ بعنصرِ الماء بالذات، البطاقةُ والطريقُ المختصر لأن يكون فارسًا، وعدمُ استعمالها لتحقيقِ ذلكَ كان يعدُ جريمة بنظرِ صاحبهِ! التفتَ له مجيبًا يلوي شفتيهِ بغير رضا: جايد أن تكون فارسًا هو حلمكَ أنتَ، افهم أنَّي متمكنٌ من التحكمِ بطاقتي لكنّي أفكرُ باستعمالها بشكلٍ مختلفٍ تمامًا! فكّر المعني أن لقبَ الفارس ليس حلمًا بالمعنى الحرفي بل هو أمنية بعيدة جدًا عنه، إنّه لقبٌ لا يعطى ألا لأصحابِ القوى والمتحكمين بالعناصرِ، إنَّهم جنودُ القلعةِ الخاصون المتفردون جدًا عن غيرهم، إنّه ليس مجرد لقبٍ بل مسؤولية كبيرة، وظيفة مختلفة عن عَمل الحارسِ الذي يسعى إليه ولا يقدرُ على غيرهِ في الوقت الحالي. صديقُ طفولته يملكُ القوة لكن وعلى عكس شخصية جايد فهو لا يحب القتال أبدًا، لقد تعلم سايمون استخدام السيف كواجبٍ فقط، لكنَّه لا يمارسُ المبارزة ولا يقترب منها بل ويخسر في كل نزال بينه وبين صاحبه، إنّه يفكر باستخدام طاقته بأمر مختلف جدًا... الماء النقي الصافي، مزيلُ للسموم ومطهرُ للجروح! _ حلمكَ أن تكون طبيبًا سايمون؟! رسمَ ابتسامة تلقائية وتزينت ملامح وجهه بالغبطة، دفعَ نظارته الشفافةَ للخلفِ باصبعهِ وهو يرفعُ رأسه بكبرياء هاتفًا: الأفضل في المملكةِ كلها! باستعمال طاقة الماءِ الأنقى والأطهرِ في الوجودِ! هز جايد رأسهُ بفقدان أملٍ من تفاخرِ سام ذاك، الذي يملكُ ثقةً لا حدود لها في نفسهِ وامكانياتهِ، لكن ليس الأمر وكأنّه لا يثق بقدرات صديقهِ على تحقيق ما يبتغيهِ، بل هو واثق من أنّه سيصلُ لذلكَ الحلم عاجلًا غير أجلٍ، فضحك على أنفهِ المرتفع عاليًا ثم قال: هيا إذن إيها الطبيب، لنعد إلى عربةِ اعشابكَ الطبيةِ قبل أن يتأخرَ الوقتُ. استلقى سام على ظهره وهو يضع كلتا يديهِ خلف رأسه متوسدًا براحةٍ وأجاب: بعدَ قليل جايدن، لنبقى نصف ساعةٍ اضافيةٍ، احتاجُ أن اريحَ جسدي صدقًا، لقد تكسرت عظامي على ذلكَ الطريق الجبلي الوعرِ. التفتَ الأخرُ ينظرُ للأفقِ أمامه مزموم الشفاهِ، فما يربطُ بين المدينتين بالأصلِ هو الغابةُ الغربية التي تمنح طريقًا مختصرًا للوصول بينهما، لكن لِكونها معقلَ المتمردين وقطاع الطرق، يفضل أغلب التجار والمسافرين طريقَ الجبلِ الأبعدَ والأكثر وعورة فقط ليتخلصوا من شرِ أولئكَ المجرمينَ.. رفعَ رأسهُ إلى السماءِ عندما شعرَ برذاذٍ باردٍ من المطر يبدأ بالتساقط، نهضَ من مكانهِ سريعًا هاتفًا وهو يمسكُ بقميصهِ الذي بدأ يتبللُ بنثراتٍ بسيطة: اوه لا أصدق أنّها تمطر الآن! كان علي أن أتوقع هذا!! بينما شخر سايمون بسخرية مجيبًا بضحكةٍ مستمتعة: الجو رائع، وأنتَ أحمق!! كأنكَ شمعة ستنطفئ بالمطر! _ انتَ تعلم أنَّي أكره البردَ والبلل!! قالها ثم استعجل صديقه للنهوض مكملًا: سايمون هيا ، سوف تتأخر! رد المعني متململًا: إنَّهم يأخذون وقتًا طويلاً في تجهيز العربة جايد، لا أظنهم انتهوا بعد.. عد للجلوس، أخبرتكَ نصف ساعةٍ فقط.
*****
بعد ساعتين. ركضَ في الشارعِ الجانبي المؤدي لدكان صديقهِ، المطرُ زاد بشكلٍ كثيف والماءُ غطا شوارع المدينةِ، لقد كان أفرادُ قبيلتهِ محقينَ في توقعِ العاصفةِ، وما كان عليهِ الاستهتارُ بهذا الشكلِ الغبي، تأخرَ... تأخر جدًا في العودةِ إلى مساعديه والطلبية لن تصل إلى مدينتهِ هذه الليلة! ركضَ جايد إلى جانب رفيقه وشعور فظيع بالأسف يغمره، لقد سرقهما الوقتُ.. وحوارُ النصفُ ساعةٍ تحولت للعديد من المواضيعِ المختلفةِ وهما مستمتعانِ بصحبة بعضهما، ولم يشعرا إلا والظلام يحيطُ بهما وموجة المطر فاجأتهما، احتاجا وقتًا طويلًا حتى يعودا إلى شوارع القرية بسبب السيول التي غطتِ الطرقات، بقيا على حدود القرية يحاولان الدخول وتجاوز السيول بجهد ولولا قدرة سايمون على التحكم بالمياه لكان من المستحيل عليهم العودة، ولكانا قضيا الليلة على تلك الهضبة خارج المدينة. خرج جايد من شروده وهو يتابع حوار صاحبهِ مع المساعدين والآن يخبره العامل أنَّ الطريق الجبلي الذي جاؤوا منه قبل بضعِ ساعات مقطوع تماما. _ السيولُ جرفت الصخورَ وغطتِ الطريق الجبلي يا سيدي... _ أعلم، اللعنة! لقد كنتُ هناكَ وعدتُ قبل قليلٍ فقط.. من المستحيلِ المرور هناكَ بالعربةِ والوصول بسلامٍ الليلة. قالها سام يمسحُ جبهته بتعبٍ بينما أكمل العامل الأخر بصوت متوتر يشرح المصيبة التي وقعوا فيها: سيكون علينا الانتظار للصباحِ من أجلِ إزالة تلكَ الصخور، ماذا سنفعل؟! صكَّ المعني على اسنانهِ بقوة، الأمطارُ أصبحت أخفَّ الآن لكنّها لا تزالُ تعطي بسخاءٍ، فكّر بحلٍ وهو يضغطٌ جوانب رأسه ويسمع كلام جايد عن دعوتهم للمبيت عنده هذه الليلة، لكنَّه لا يريد، هذا مستحيل! الطلبية يجب أن تصل الليلة، إنَّها لجماعةٍ مهمة من التجار الذين سيغادرون قريته مع بزوغ الفجر، إن لم تصل هذه الليلة فسيرحل التجار بدونها وسيسبب الخسارة، خسارة فادحة ليس فقط بالنقود التي ستخسرها عائلته ولكنها طلبية طبية، والتجار سيأخذونها لمدينتهم، إنَّها لمرضى يحتاجونها ويعتمدون عليهِ في ايصالها لهم.. ولكن كيف؟!! كيف سيوصلها لهم والطريق الجبلي مسدود بالكاملِ وقد لا يُفتح حتى في الغدِ، إلا إذا... _ سنأخذُ طريق الغابة! التفتَ الثلاثة لهُ بصدمةٍ وكسا الشحوبُ ملامحهم، صرخ جايد فيه متسائلًا بغضب وقد اكفهرت ملامحه: هل فقدتَ عقلكَ؟ _ إنّه الحلُ الوحيد، يجب أن أعودَ اليوم إلى قريتي وأوصل البضاعة. فكّر سام أنّ عليهِ تحمل المسؤولية، لقد كانَ هو من أخر عودتهم كثيرًا حتى لم يعد هناكَ مجالٌ أوسع للتصرفِ، لا يستطيع أن يلوم غير نفسه ولن يعرض عائلته وعوائلَ المرضى للسوءِ بسبب إهماله! أعاده صديقه للواقعِ يصيح فيهِ: فلتذهب البضاعة للجحيم، أنتَ ترمي بنفسكَ للموتِ إن اخترتَ طريق الغابة، لا تكلف نفسكَ مالا تطيق! _ إنّه خطئي جايد ، لو لم أتأخر لكنا سبقنا العاصفة وتجاوزنا الجبل على الأقلِ! فتحَ الشاب كلا ذراعيهِ مستغربًا تفكير صديقهِ وقال بتصميمٍ محاولًا ثنيه عن قرارهِ: ليس خطأ أحد، العاصفة فاجأتنا جميعًا والسيول قطعت الطريق، ليس لكَ ذنب في هذا.. التجار سيفهمون وصدقني عائلتكَ ستكون سعيدة أكثر إن عدتَ إليهم قطعة واحدة بدل قراركَ المجنونِ ذاك! _ لستُ خائفًا، أنا املكُ القوة جايد، وحفنةٌ من المتمردينَ لن توقفني!! قالها سايمون ببرودٍ وعِنادٍ وهو يشير إلى الشابين معه بصعود العربة لكن ارتباكهما كان فاضحًا لرفضهما الذهاب معه، حسنًا إنّهما ليسا مجنونين مثله ليرميا بنفسهما إلى هذا المصير، الكلُ يعرفُ أن الغابة هي عرين المتمردين ومركز تواجدهم، لا تنجو إلا القلة القليلة من بطشهم وسرقاتهم بل وقتلهم للكثير ممن يقف بوجههم أيضًا. عقدَ سايمون حاجبيه مغتاظا ألا شيء يسيرُ كما يريد، فهؤلاء مساعدوه يرفضون رفضًا مبطنًا مساعدته على تجاوز الغابة، إنّه يستطيعُ إجبارهم على القدوم معه، فهم يعملون تحت أوامره المباشرة.. لكنَّه فكّرَ أنَّ الأمرَ خطيرٌ حقًا، وهو إن استطاعَ تحمل مسؤولية نفسهِ ومسؤولية تلكَ العربة فلن يقدر على أي حال على حماية مساعديه أيضًا. تنهدَ وهو يسمح لهما بالبقاء والمبيت في نزل ما على أن يلحقا به في صباح الغدِ، صعدَ على مسندِ العربةِ وامسكَ باللجامِ ليشعرَ بثقلٍ ما إلى جانبه، التفت يسألُ بدهشة: جايد!! ماذا تفعل؟ ابتسم المعني لملامحِ المفاجأة على وجه صديقه ليقول ببساطةٍ: قادم معكَ بالتأكيد، ماذا تظن؟! نهره الأخر معترضًا: مستحيل !! انزل من هنا حالًا ... لن أخذكَ معي!!!! _ وأنا لن أترككَ تذهب لوحدكَ!! _ جايدن أنتَ لا دخل لكَ بكل هذا، وأنا لن أخاطر بحياتكَ.. فانزل من هنا حالًا ودعني اذهب قبلَ أن تفاجئنا العاصفةُ مرة أخرى. منذ اللحظة التي سمعَ بها جايد صديقه يقرر دخول الغابةِ وهو يفكرُ ألا شيء على الإطلاق يمكنه تغيير رأيه، يعرف سايمون منذ الطفولة ويعرف كم أنّه عنيدٌ ومستبدٌ وغير قابلٍ للإقناع البتة، إنّه يملكُ ثقةً هائلةً بنفسه وقدراته، ثقة مثيرة للإعجاب لكنّها قد تلقي به إلى المهالكِ أحيانًا عندما لا يجيد تقديرَ الخطورةِ التي يقف أمامها، وهو لا يشعرُ أو بالأحرى لا يهتم على الإطلاق! الطريقة الوحيدة لحمايتهِ هي مسايرته بالوقت الحالي، هو سيذهب مهما حدث لذا على أحدٍ الذهاب معه وحمايته من طيشه وثقته الزائدة بنفسه. أجاب على حديث صديقهِ يرفع أحدَ حاجبيهِ: قد العربة حالاً إذن يا رأس الصخرةِ حتى لا نتأخر! زفر سايمون بغضبٍ أنفاسًا حارقةً، إنّه يسمعُ هذا اللفظ من صاحبهِ دائمًا دليلًا على عنادهِ وتيبس رأسهِ المتحجرِ، لكنّ جايد لا يدركُ أنّه الأشدُ بأسًا هنا.. عنيدٌ ومستقتل في الدفاع عن أصدقائه وحمايتهم، لكنَّه لا يريدُ أن يجره للمتاعبِ أو يعرضه للأذى، مقررًا حمايته هو الأخر، قائلًا بلهجة باردة قاسية: إنّكَ لا تملكُ طاقة جايدن، وجودكَ سيعيقني بدل أن يساعدني! عضَّ على شفته وشعر كم أنّه حقيرٌ ليقول شيء كهذا في وجه صديقه، تمنى أن يجدي الأمر فهو حقًا لم يقصد إلا حمايته ومنعه من مرافقته، لكنَّ ابتسامة الأخرِ أدهشته وهو يجيب بضحكة خفيفة: ربما !! ولكن لا تنسى أنَّي أفضلُ سيافٍ في المدينةِ بينما أنتَ لا تعرف كيف تمسك السيف حتى! _ أعرف كيف امسك السيف ! قالها بغيظٍ وهو يعقد حاجبهِ من خلفِ اطار نظارتهِ المبللةِ ،بينما يقهقه الأخر قائلاً بعينين تلمعانِ: ولكنَّكَ لا تجيدُ استخدامه! زفر سايمون بملل مدركًا أنّ صديقه لن يتحرك فآثر الاستلامَ لقراراهِ، تجول عيناه الزرقاوانِ في اتجاهِ الغابة المظلمةِ أمامه، حركَ لجام الفرس وهو يتمتم بانزعاج: كونكَ تفوز دائمًا لا يعني أنّي لا أجيد استخدامه يا أخرق!
Śummєя المشرفون
المساهمات : 18 تاريخ التسجيل : 15/07/2024 الموقع : In Raytorika kingdom
موضوع: رد: ضِياء في قَلـــبِ الظُلمةِ..! السبت يوليو 20, 2024 1:40 am
بعد ساعة، في قلبِ الغابةِ. طوتِ الفرسُ الأرضَ المبللةَ تحت حوافرها ، كانا محظوظين حقًا أن العاصفة لم تعاودِ الهبوبَ واكتفتِ السماءُ بنذرٍ بسيطٍ من رذاذٍ أستمرَ يهطلُ فوق رأسيهما، البدر توسطَ كبدِ السماءِ إنّما كان مختفي خلفَ الغيومِ فلا يظهرُ منه إلا خيالٌ مُشعٌ على استحياءٍ خفي، أنارَ لهم جزءًا من طريقهمِ بينما الباقي كان محجوباً بأوراقِ الأشجار المتشابكة ،الظلام غطا على الأجواءِ، بينما الرياح الخريفية كانت تعصفُ بأغصانِ الأشجارِ من حولهم. عضَّ جايد على شفتهِ وفكرَّ أنّه مجنونٌ حقًا ليأتي وليسمحَ لصديقه بدخول الغابةِ في هذا الليلِ، فعلى الرغمِ من هدوءِ الأجواءِ المحيطة بهم إلا من بعضِ الحيوانات الليلية الشريدة، فإن الأمرَ أخطرُ بكثيٍر مما كان يَظنّهُ، نظرَ إلى سيفه الذي يقطر دمًا!! لقد قتلَ حتى الآن أكثرَ من ثلاثةِ ذئابٍ وثعبانٍ حاولَ نحشَ لحمهِ، بينما أغرقَ سايمون مخلوقًا مرعبًا يراهُ للمرةِ الأولى يبدو هجينًا وشبيهًا بالأسدِ إلى حدٍ ما! كم يتمنى أن يستمرَ الأمرُ على هذا الحال، فهو أفضلُ ألفَ مرةٍ مما يشعرُ أنّه بانتظارهم، لا سبيلَ للعودةِ الآن، لقد انهوا نصفَ الطريقِ تقريبًا ولم يبقى لهم الكثير!! فقط لو ... _ تبًا! ما هذا؟! أخرجه من شروده همسُ سايمون إلى جانبه، ارهفَ السمعَ هو الأخر لمّا أشارَ له صاحبهُ أن ينصتَ وهو يسحبُ لجامَ الفرسِ بقوةٍ لتتوقفَ عن الحركة.. _ صوتٌ صراخِ أحدهم!! قالها جايدن بدهشةٍ ممزوجةٍ بالقلقِ، هناكَ من يستغيث! تبادلا النظراتٍ لثوانٍ معدودةٍ، كان كلٌ واحدٍ منهما يفكرُ بالشيء ذاتهِ، عليهما فقط اكمالُ الطريقِ وعندم الالتفاتِ لأي تهورٍ غيرِ محسوبِ العواقبِ!! لكنّ صرخة استغاثة أخرى انبعثت من تلكَ الضحية كان كلُ ما يحتاجه جايد ليقفزَ من العربةِ مسرعًا بذلكَ الاتجاهِ، وهو يعرفُ يقينًا أنّه لن يسامح نفسهُ إلم يتدخل أو يحاول المساعدةَ بما يستطيع.. ثوانٍ وكان سايمون في إثرهِ يلحقه بعدَ أن غير اتجاهَ الفرسِ يتبعُ صديقهُ الذي اختفى بين الحشائش والاعراشِ الطويلةِ، حتى وصلَ له فنزل عن العربةِ مسرعًا يقفُ إلى جوارهِ شاخصَ البصرِ عاقدًا حاجبيهِ لِما يرى، كان هناكَ ثلاثةُ أشخاصٍ أمامهم، الأول والذي كانَ الضحيةَ رجلٌ في مقتبلِ العمرِ، مُصابًا نازفًا زاحفًا على الأرضِ برعبٍ يحتضرُ ممسكًا بجرحٍ عميقٍ في جنبهِ، بينما يقفُ قريبًا منه شابانِ متقاربان في العمر، في منتصفِ العشرينات تقريبًا، مكللين بالسوادِ حتى بدا أنّهما متماهيانِ مع ظلمةِ تلكَ الليلةِ، يمسكُ الأشقر منهما سيفهُ مستعدًا للبطشِ بخصمهِ، بينما يلتفت إليهما الشخص الثالثُ والذي كان يملكُ شعرًا طويلًا جدًا بلاتيني اللونِ، قائلًا بنظراتٍ حادةٍ مناديًا صاحبه: آليكس، يبدو أنَّ لدينا رفقة! بينما تمتمَ جايد من بين أسنانهِ بشحوبٍ: ماذا يجري هنا؟! ليصرخَ فيهما الضحية بيأس هاتفًا برجاء: ساعداني.. أرجوكما.. ساعداني… التفتَ آليكـــــس للضحيةِ ثمَ عادَ يلتفتُ إلى الشابينِ بعينين خضراوتين ضيقتين وقال ببرودٍ مهددًا: ارحلا.. الآن! أجابَ جايدن بحذرٍ وهو يضعُ يده على مقبضِ سيفهِ بهدوء: سنرحلُ، لكن بعدَ أن تتركَ ذلكَ الرجل ليأتِ معنا.. _ لا أملكُ أي رغبةٍ في التعاملِ معكما، كونا ذكيين وقد مُنحتما فرصةً للنجاةِ، فلا داعي للعبِ دورٍ بطولي سخيف! قالها الأولُ وعيناه تلمعانِ بتهديد واضحٍ، بينما صرخَ الرجلُ الضحيةُ بلوعةٍ متوسلًا: لا لا ارجوكما لا تتركاني، انقذاني أتوسل إليكما.. سيقتلني سيقتلني هنا!! لم يكد يكملُ صراخه حتى اقتربَ منه الشابُ صاحبُ الشعرِ البلايتيني الطويلِ، ركلّه بقوةٍ على فكهِ فانكمشَ الرجلُ صارخًا بألمٍ ممسكًا بوجههِ الدامي بينما يهتفُ بهِ الشابُ غاضبًا: اخرس وتوقف عن الصراخِ، ازعجتني بصوتكَ! _ ابتعد عنهُ! ماذا تفعل!! صاحَ بها جايد وقد اكتفى من هذه الأذية أمامهُ بينما اقتربَ اليكس خطوةً يلوي شفتهِ متسائلًا: أتعرفُ حتى ما فعله لتدافع عنهُ بهذا الغباءِ؟! تبادلَ سايمون وجايد نظرةً طويلة وكلامًا بالأعينِ بدا واضحًا جدًا لكليهما، سام يعرف صديقهُ، إنّه لن يتزحزح عن مساعدةِ هذا الشخصِ الغريبِ، حتى لو عنى ذلكَ هلاكه! حتى هو الأخر، لقد نذرَ لنفسهُ لمساعدةِ الناس وتطبيب جراحهم لا أن يعطيهم ظهره، مما جعله يتحدث بالمنطقِ مُحاولًا تغيير رأي ذلكَ المجرمِ أمامهُ: لا نعرفُ ما فعلهُ قطعًا، ربما يكون مجرمًا وربما أذاكَ وتحاولُ ردّ دينهِ، لكنّي أعرفُ أنّ أي واحدٍ منّا ليس موضع حكمٍ هنا، إن كان يستحق العقابَ فإن قاضيًا هو من سيحكم بهذا في محاكمةٍ عادلةٍ. غرقَ آليكس فجأة في ضحكة طويلةٍ وكأنّه يملكُ الوقتَ في العالمِ أجمع، قبل أن تتحولَ إلى ابتسامةٍ ساخرةً مجيبًا: من أينَ أتيتما أنتما؟ هل كنتما نائمين ثم قلتما فجأة لندخلِ الغابةَ ونلقي بعضَ المواعظِ على من فيها؟! _ آليكس الرحمة! لمّا تطيلُ الحوار معهما؟! التفتَ لصاحبِ الشعر الفضي بعينيهِ اللتين تلمعانِ بزرقةٍ محتدةٍ ثم ابتسم مجيبًا بمكرٍ: اصبر.. عزيزي ليو، لا تأتينا طرائدُ ممتعة كهذه كلَ يومٍ! ظهرَ المللُ على عيني الأخرِ بينما أكمل اليكس عاقدًا حاجبيهِ: من أنتما؟! وما تلكَ العربةُ بالضبط؟ وما هذه الجرأة لتدخلا الغابةَ بهذا الوقتِ؟! _ نحن تجار، نريدُ العبورَ لمدينةِ نايدا لإيصالِ بعضِ الدواءِ اللزمِ والمُستعجلِ. قالها سام مباشرةً وهو يرجو أن ينفعَ الأسلوبُ المباشرُ معهم، أخرُ ما يريده الآن هو الدخولُ بقتالٍ مع زمرةٍ من الأوغادِ الماكرين! وعلى الرغم من ثقتهِ بنفسه أنّه قادر على المواجهة، لكنّه لا يريد تضييع وقتهِ مع قطاعِ الطرق. ابتسم الأشقر والتوت شفتاه سخرية لمَّا قالَ بصوتٍ ناعسٍ ولهجة خطيرة: أتظنني أحمقًا يا هذا؟ تجار؟ ودواء؟؟ في منتصفِ الليلِ وداخلَ الغابةِ؟!! فاسرع جايد يكمل كلامَ صديقه: العاصفة أخرت موعدنا وكان علينا القدوم من هنا بعدَ أن انقطعَ الطريقُ الجبلي تمامًا.. احتدت نظرة عينيهِ العسليتينِ هذه المرة، ليقولَ بصوتٍ ثابت إنّما بدا بهِ نبرة تهديد واضحة: لذلكَ أنصحكَ بتركِ الرجلِ والابتعادِ عن طريقنا، فنحنُ مستعجلون قبلَ عودةِ العاصفةِ كما تعلم. همهمَ الأخرُ بتفهمٍ ساخرِ: ظريف حقًا! ظريف جدًا! قالها ثم وبحركةٍ سريعةٍ لم يحسبا لها حسابًا، التفتَ رافعًا سيفهُ وقد لمعَ نصله الحادُ ليغرسه في صدرِ الضحيةِ، الذي صرخَ بصوتٍ مرعبٍ شقَّ سكون الليلِ قبل أن تخمدَ جثته للأبدِ!! تقدمَ الشابانِ خطوةً للأمام وقد كسا الهلع ملامحهما بينما يصرخُ فيه جايدن بحدة: ماذا فعلت! هل أنتَ مجنون!!! بينما هتفَ سايمون بسرعةٍ: ابتعد عنه، أنا طبيب، سأحاولُ علاجه! رفعَ اليكس سيفه في وجهِ الأخرِ وقال باختصارٍ مقيت مانعًا إياه من التوجهِ للرجلِ: لقد رحلَ وانتهى الأمرُ، لذا هلا تقلقانِ على نفسيكما الآن! _ اللعنة اليكس! كان عليكَ أخباري قبل قتلهِ، لقد تلوثت ملابسي بدمِ ذلكَ الجبانِ! قالها ليو من خلفهِ بصوتٍ مُغتاظٍ متمتمًا بالسَبابِ، فهزَ المعني رأسهُ بفقدانِ أملٍ من صاحبهِ قبلَ أن يرفعَ سيفهُ ببطء ويمسحَ الدماءَ من عليهِ بمنديل أخرجه من جيبهِ، ثم قالَ موجهًا كلامه للشابينِ: أسمعا لنتفقِ الآن.. أنا لا أفعل هذا دائمًا، لكن لكونكما ظريفين جدًا ولطيفين لتدخلا الغابةَ لإيصالِ الدواء لبعضِ المساكين... قال كلماته الأخيرة بهدوءٍ مستفزٍ ساخرًا منهما وكأنَّه لا يصدقُ حرفًا واحدًا من قصتهما، وأكمل: سأسمح لكما بالعودةِ من حَيثُ جئتما على أن تتركا العربة هنا! توقف أخيرًا وسألَ وهو يميل رأسهُ بابتسامة خطيرة: موافقان؟ إنّها فرصتكما الأخيرةُ لتخرجا سالمين! _ أيها الخبيثُ اللعين!! تمتم بها جايد وقد فارتِ الدماء في عروقهِ بلهب غاضبٍ من منظر الرجلِ المسجى على الأرضِ أمامه، لا يعلم ماذا فعل أو بماذا ورطَّ نفسه، لكنّه يعرف ألا أحدَ يستحقُ أن يقتل بهذه الوحشية والعشوائيةِ كقانونِ غابٍ لا يحكمه أحد! سحبَ سيفه من غمدهِ أخيرًا مشهرًا العداءَ، أنّه لن يسمحَ بمطلقِ الأحوالِ لشخصٍ حقير مثل هذا الذي أمامه أن يجبره على شيء أن يخيفه ويسلب منه ما يملك!! بالمقابلِ زم سام شفتيهِ بقوة حتى تحولت لخيط رفيع من شدة غيظه، هذان الغرانِ لا يريدان أن تنتهي هذه الليلة على خير، وهو غاضبٌ ومتعبٌ ويشعر بالحنقِ بسبب كل ما حدث.. فبدأت قطراتُ الماءِ تتحركُ من البركِ وفوق الأشجارِ من حولهم وتطفو على يده الممتدة، كان ذلكَ إشارة منه على استعدادهِ للقتالِ، لكنَّه مع هذا قال بهدوء ظاهري بينما داخله يستعد لإغراق كل من أمامه بلحظة واحدة: وإن لم نفعل؟! ابتسم الأخر بوحشية ولا يبدو أن منظر المياه المتحركة أثار خوفه بل جعله مستمتعًا أكثر وبشكل مثير للريبة أجابَ مُهددًا: تحفرُ قبركَ بنفسكَ!! قال سام عندها لصاحبه الواقف قربه: جايد ما رأيكَ بتنفيذ أولى مهامكَ في الحراسة، بتنظيفِ غابة قريتكَ من بعضِ الحشرات؟! فرَّد الأخرُ مشهرًا سيفه أمامه مدركًا ألا مناصَ من المعركة: سيسعدني فعل هذا! احتدت نظرة اليكس بغضبٍ وقال وهو يشير إلى تابعهِ من خلفه: حراسٌ إذن؟ كما توقعتُ!! أسرع سايمون بفرد ذراعيه ثم بحركة واحدةٍ انهمر شلالٌ من المياهِ باتجاه المتمردين متوقعًا غرقهم بلحظاتٍ، لكنَّ جدارًا اسودًا من الدخانِ ظهرَ من العدمِ أمام اليكس مباشرةً ليحميه من سيل الماء المتدفق، نظر جايد وسايمون إلى الدخان الأسودِ بصدمة وقد أدركا أنَّ الذي أمامها متحكمٌ بالعناصرِ هو الأخر! ابتسم اليكس بمكر وهو يشير إلى جايد بانحناءة من رأسه ويهمس: ليو عليكَ بهِ.. لتتغير نظراته إلى كره عميقٍ لسام أمامه وهو يكمل بحقد: واترك هذا لي!
وبلحظةٍ واحدةٍ انطلق ليو صاحب الشعر البلاتيني الطويل صوب جايد كأنَّما لم يصدق أن يحصلَ على الأوامر أخيرًا فقد ملّ من الانتظار!! ليحاول الأخير إيقاف سيل ضرباتِ سلاحهِ بسرعةٍ، كان متفاجأ من اندفاعه المباشر ذاك وبدا انَّه قوي حقًا بضرباته التي كادت تجرحهُ أكثر من مرة. قفز بسرعة متفاديًا نصلَ السيف ثم وجه سيفه إلى خصمهِ ليلتحمَ الاثنانِ وصوتُ الصليلِ شقَّ سكونَ تلكَ الليلةِ!! صك جايد على أسنانه وهو يراقبُ العيونَ الزرقاءَ الحادةَ لخصمهِ وتلك الابتسامة الخبيثة التي زيت وجهه، قد يكون هذا المتمرد قويًا ولكن هو أفضلُ سياف في المدينةِ، ولن يقفَ شخص كهذا أمامه! قفز للوراءِ ثم اندفع هادرًا بضربات عجزَ ليو عن صدِ معظمها لينسحب للوراء وهو يلهث بتعب ويردد: أيها الحقير!!
في الجهة الأخرى كان سام يواجه شرًا متحركًا خبيثًا، لم يكن يتوقع أنَّه بهذه القوةِ، كان يعتبر نفسه دائمًا متحكمًا ممتازًا في طاقة الماء التي يملكها لكنَّه وجدَ أنَّه لا يُقارن حتى بمهارة الشخص أمامه، فشلت كل محاولاته في إصابة آليكس بجرح واحدٍ، بل إنَّ هجماته لم تصل إلى خصمه أصلاً، والذي وقفَ هناك بابتسامتهِ الساخرةِ كأنّما يلاعب طفلًا تاركًا لسام المجال ليهاجم كما يريد، فهو لم يتأثر بتاتًا!! كان سايمون متعبًا حقًا فاستخدام المياه يأخذ كل طاقتهِ، عادَ إلى الوراء بضعَ خطواتٍ بينما يصله صوتُ خصمه الماكر المستمتع: ماذا، هل استسلمت أخيرًا ؟! _اخرس يا هذا !! سوف تندمُ اقسمُ لكَ... عضَّ على شفتهِ وهو يحاولُ أن يجمعَ أيَّ قطراتٍ للمياه بقيت ليتحكم بها، لكنَّ الظِلالَ التي تجمعت حوله صدمته ليأتيه صوت اليكس من جانبه فجأة بهسيسٍ مرعب: غير صحيحٍ، انَّه دوري الآن!!! اتسعت عينا جايدن صدمةً وهو يبصرُ ضربة اليكس القوية لسايمون، جمدت قدماه بينما يرى صديقه يندفعُ من قوة الأخرِ ويسقط بعيدًا على الأرض الصلبة متعفرًا بدمائه!! _ ســـــــــام !!!! نادى بلوعة وهو يركضُ باتجاههِ بسرعةٍ خافقَ القلبِ برعبٍ على صديقهِ الأثيرِ، لكنَّ حبالًا بيضاءَ مشعةً من طاقةِ الضوءِ أمسكت قدمهُ ليسقطَ على وجههِ مباشرة، التفتَ متألمًا ليرى ليوناردو يتقدم ناحيته بهدوءٍ بينما تطاير شعره الفضي حوله، وهالة بيضاءُ تمتدُ من يدهِ وتنتهي بقدم جايد مشكّلة حبال قوية تمنعه من الحركة، قائلًا بغيظ: ليس بعد أيها الفتى!! صرخ جايد بألم بينما الحبالُ ترتفعُ عن قدمه لتحيط بساقه ثم بجذعه مانعة إياه من الحركة تمامًا، حاولَ أن يتحركَ ليفكَ القيد ولكنَّه كان اضعفَ من أن يتغلبَ على طاقةِ الضوء! شتمَ كثيرًا بداخلهِ وهو يبصر آليكس يتقدم من سام الملقى على الأرض بخطوات بطيئة بينما الظلال تحيطُ بصديقهِ من كل جانبٍ... _ اتركه!! أيها الوغدُ ابتعد عنه! اتركه حالًا!! _ كفَ عن هذا! صديقكَ استحقَ ما حصلَ له وهو يتحدى آليكسَ بتلكَ الوقاحةِ! كن مطيعًا وقد يُبقي على حياتكَ فأنتَ لا تشكلُ تهديدًا بالنسبةِ لهِ! وصله صوتُ ليوناردو الساخرِ المسمومِ مدركًا أنّه يقصدُ انعدامَ الطاقةِ عنده، ولكنّه لم يلتفت له، لم يكن يسمعُ سوا صرخاتِ سام بوجعٍ حارقٍ بينما آليكس يحيطُ عنقه بيديه ويخنقه، يستعملُ طاقة الظلام في قتل صديقهِ، يحيطه بتلكَ الظلالِ التي تخطف منه أخر نفسٍ للحياةِ!! احترقت الدماء في عروقِ جايد رويدًا وهو مكبل بضعفٍ عاجزًا عن انقاذِ صديقهِ الأغلى والأعزِ، لقد كانَ هو من اختارَ أن يواجه هذين المجرمين لانقاذِ الرجلِ، يجب أن يكون هو من يعاني وليسَ سام، يجب أن ينقذه بأي طريقةٍ، لن يسامح نفسه البتةَ إن خسرَ أعز اصدقائهِ! وبينما يسمعُ صوتَ صراخِ صاحبهِ بلوعةٍ حارقةٍ، اشتعلت عينا جايد بألسنةٍ مجنونةٍ من اللهبِ الأحمرِ فجأةَ!! شتمَ ليو صارخًا لما شعرَ باشتعالِ يده فترك تلكَ الحبال بسرعة لتتحول إلى رماد، فتح عينيه بصدمةٍ وهو يدرك أنَّ الشابَ أمامه يشتعل، يشتعل حرفيًا واللهبُ يغطيهِ من كل جانبٍ بينما النارُ تخرج من مسام جسدهِ! فابتعد برعبٍ مخطوفَ الأنفاسِ بينما تمتدُ النارُ لتشملَ كل شيء حولهم!
Śummєя المشرفون
المساهمات : 18 تاريخ التسجيل : 15/07/2024 الموقع : In Raytorika kingdom
موضوع: رد: ضِياء في قَلـــبِ الظُلمةِ..! السبت يوليو 20, 2024 1:41 am
[ ظُلمَة]
مررتِ الفتاةُ ناظرها تقرأ الكلماتِ المدونةَ بصوتٍ ندي: لكل طاقة مميزاتها، يمكنُ لأصحابِ الريح أن يسمعوا الأصواتَ البعيدة،
ويملكُ متحكم طاقة الأرض قدرة عالية على التحملِ، بينما يستطيع أصحابُ طاقة الماءِ استخدامها في علاج الأمـــراضِ والجروح المختلفةِ،
أما الظلام فلا يمكـــــن تسمية ما تتمتع به ميزة ... فهي تمتلكُ قدرة عالية للخروجِ عن السيطرةِ!!
إن لم يسـيطر مالكها عليها سيطـرت عليهِ!
.
.
Śummєя المشرفون
المساهمات : 18 تاريخ التسجيل : 15/07/2024 الموقع : In Raytorika kingdom
موضوع: رد: ضِياء في قَلـــبِ الظُلمةِ..! السبت يوليو 20, 2024 1:42 am